ثانيًا: أنه لا يلزم من اختيار قول إبطال الآخر- عند عدم التضاد-، ولا ينبغي ذلك، خاصَّةً عند الاشتراك في اللفظ، ما لم يَبطُل القولُ الآخر بوجهٍ صحيح مستقِلٍّ.
ثالثًا: في الأخذ بكِلا المعنيين الصحيحين للمُشترك اللفظي تكثير للمعاني، وتقليل للخلاف، وهذا أولى بكتاب الله تعالى. قال الشنقيطي (ت: ١٣٩٣): (ولا أعلم مخرجًا واضحًا من الإشكال في هذه الآية إلا مع بعضِ تعسُّف، وهو أن أصحّ الأقوال عند الأصوليين كما حرره أبو العباس ابن تيمية- ﵀ في رسالته في علوم القرآن، وعزاه لأجلاّء علماء المذاهب الأربعة، هو: جواز حمل المشترك على معنييه، أو معانيه، فيجوز أن تقول: عدا اللصوص البارحة على عين زيد. وتعني بذلك أنهم عَوَّروا عينه الباصرة، وغَوَّروا عينه الجارية، وسرقوا عينه التي هي ذهبه أو فضته. وإذا علمت ذلك فاعلم أن النكاح مشترك بين الوطء والتزويج، خلافًا لمن زعم أنه حقيقة في أحدهما، مجاز في الآخر كما أشرنا له سابقًا، وإذا جاز حمل المشترك على معنييه، فيُحمل النكاح في الآية على الوطء، وعلى التزويج معًا، ويكون ذكر المُشركة والمُشرك على تفسير النكاح بالوطء دون العقد، وهذا هو نوع التعسُّف الذي أشرنا له، والعلم عند الله تعالى)(١).
وقد أجاد ابن عاشور (ت: ١٣٩٣) في بيان أثر المُشترك اللفظي في التفسير في آخر المقدمة التاسعة لتفسيره فقال: (وعلى هذا القانون- الأخذ بمعنيي المشترك- يكون طريق الجمع بين المعاني التي يذكرها المفسرون، أو ترجيح بعضها على بعض، وقد كان المفسرون غافلين عن تأصيل هذا الأصل، فلذلك كان الذي يُرَجِّح معنىً من المعاني التي يحتملها لفظ آية من القرآن، يجعل غير ذلك المعنى مُلغى، ونحن لا نتابعهم على ذلك، بل نرى المعاني المُتَعددة التي يحتملها اللفظ بدون خروج عن