للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهذا الفرق بين البُخلِ والشُّحِّ في كلام العرب هو الذي ذكره ابن مسعود ؛ فقوله في البخل واضحٌ لا إشكال فيه، وقوله في الشُّحِّ: (أن تَعْمَد إلى مال غيرك، أو مال أخيك فتأكله ظلمًا)، هو تفسير له بِلازِمه، لا بما يُطابِقُه؛ فإن الشَّحيحَ بَخيلٌ في نفسه، حريصٌ على ما عند غيره، وهو ما يستتبع ظلم الناس، وأكلَ أموالهم بالباطل. وقد جاء هذا المعنى صريحًا عن ابن عمر بقوله: (ليس الشَّحيحُ أن يمنعَ الرجلُ مالَه، ولكنه البخل، وإنه لشر، إنما الشُّحُّ أن تطمحَ عينُ الرجل إلى ما ليس له) (١)، وقال عبد الله بن عمرو : (الشُّحُّ أشد من البخل؛ لأن الشَّحيح يشِحُّ على ما في يديه، فيَحْبِسه، ويَشِحُّ على ما في أيدي الناس حتى يأخذه، وإن البخيل إنما يبخل على ما في يديه) (٢).

ويشهد لهذا المعنى قوله : (اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشُّحَّ؛ فإن الشُّحَّ أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلُّوا محارمهم) (٣)، فمآلُ الشُّحِّ المذكور في هذا الحديث، هو مآلُهُ الذي ذكره ابن مسعود في تفسيره للآية. وعن عبد الرحمن بن عوف ، أنه كان يطوف بالبيت يقول: (اللهم قِنِي شُحَّ نفسي)، لا يزيد على ذلك، فقيل له، فقال: (إذا وُقِيتُ شُحَّ نفسي لم أسرقْ، ولم أزنِ، ولم أفعلْ شيئًا) (٤).

وهذا المعنى هو المشهور عن مفسري السلف فمن بعدهم، قال سعيد بن جبير (ت: ٩٤) في معنى الشُّحّ: (إدخال الحرام، ومنع الزكاة) (٥)، وقال طاووس (ت: ١٠٦):


(١) عزاه السيوطي في الدر ٨/ ١٠٣ لعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن مردويه.
(٢) عزاه السيوطي في الدر ٨/ ١٠٣ للخرائطي في «مساوئ الأخلاق».
(٣) أخرجه مسلم في صحيحه ٦/ ١٠٤ (٢٥٧٨)، وينظر: المُفْهِم ٦/ ٥٥٧.
(٤) جامع البيان ٢٨/ ٥٦ (٢٦٢٤٨)، وينظر: تفسير ابن كثير ٨/ ٣٤٨٢.
(٥) عزاه السيوطي في الدر ٨/ ١٠٣ لعبد بن حميد، وابن المنذر.

<<  <   >  >>