للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

(ت: ٧٧٤)، وابن عاشور (ت: ١٣٩٣) (١)، واختاره الزمخشري (ت: ٥٣٨)، والقرطبي (ت: ٦٧١)، والشوكاني (ت: ١٢٥٠) (٢)، ولاعتماد ابن عباس له في مقابل معنىً صحيح ورد عنه من طريق آخر. ثُمَّ عدم معرفة ابن عباس بالمعنى الثاني الذي سُئِلَ عنه- ولو في بادئ الأمر- يُؤخر رتبة هذا اللفظ في المعنى، وأقل ما يفيد ذلك تأخره في الشهرة عن المعنى الأول الذي ذكره ابن عباس، مع استصحاب سعة علم ابن عباس القرشي بلسان العرب، وعلم التفسير، وفقه الشريعة.

والتشبيه على هذا القول يكون جاريًا على مراعاة الحالة المشهورة في كلام العرب، وأقرب إلى حِسِّهم ونظرهم من التشبيه بالأسد؛ فإنه تشبيهٌ مُبتَكَر لحالَةِ إعراض مَخلوط برعب، فاجتمعَ فيه تمثيلان (٣)، وبيان المعنى بتمثيل محسوس يباشره السامع، أقرب وأبلغ في نفس السامع من غيره من وجوه التمثيل الخارجة عنه.

وقول ابن عباس : (ما أعلمه بلُغةِ أحدٍ من العربِ الأسدَ)، ليسَ فيه إبطالٌ لهذا المعنى؛ لأمور:

أولًا: قول الشافعي (ت: ٢٠٤) فيما اشتهر عنه: (لسان العرب أوسع الألسِنةِ مَذهبًا، وأكثرها ألفاظًا، ولا نعلمه يحيط بجميع علمه إنسانٌ غيرُ نبي) (٤)، وقال ابن فارس (ت: ٣٩٥) مُعَلِّقًا: (وهذا كلامٌ حَريٌّ أن يكون صحيحًا، ولا نعلمُ أحدًا ممن مضى ادعى حفظَ اللغةِ كلَّها) (٥). وابن عباس في مقولته هذه إنما نفى علمه بهذا المعنى، وعدم العلم لا يعني العلم بالعدم.


(١) ينظر: تفسير القرآن العظيم ٨/ ٣٦٦٣، والتحرير والتنوير ٢٩/ ٣٣٠.
(٢) ينظر: الكشاف ٤/ ٦٤٣، والجامع لأحكام القرآن ١٩/ ٥٨، وفتح القدير ٥/ ٤٤١.
(٣) ينظر: التحرير والتنوير ٢٩/ ٣٣٠.
(٤) الرسالة (ص: ٤٢).
(٥) الصاحبي (ص: ٢٤)، وينظر: الاعتصام (ص: ٥٠٤).

<<  <   >  >>