للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهذا ظاهر الآية والمُتبادر من اللفظ، وقد تكرر هذا المعنى في قوله تعالى عن هذه الطائفة من بني إسرائيل ﴿قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ﴾ [المائدة ٦٠]، وقوله ﴿فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ [الأعراف ١٦٦].

وحمل المسخ على غير ظاهره وحقيقته تأويلٌ لا دليل عليه، وقد رَدَّ ابنُ جرير (ت: ٣١٠) قولَ مجاهد (ت: ١٠٤) هذا جُملَةً بما يتلَخَّصُ في ثلاثة وجوه (١):

أولها: أنه لو جاز هذا التأويل لجازَ تأوُّل الصعقة التي أخذت بني إسرائيل لمَّا قالوا ﴿أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً﴾ [النساء ١٥٣]، ولجاز تأوُّل أمرهم بقتل أنفسهم توبةً عليهم لمَّا عبدوا العجل، ولجاز تأوُّل أمرهم بالتيه في الأرض لمَّا قالوا لنبيهم ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ [المائدة ٢٤]، فسواء القول بأن مسخهم لم يكن على ما أخبر الله به في ظاهر الآية، والقول بأن ما أخبر الله به عن بني إسرائيل من ذلك ومن خلافهم على أنبيائهم، والعقوبات التي أنزلها الله بهم لم يكن كما أخبر الله عنه. قال ابن جرير (ت: ٣١٠): (ومن أنكر شيئًا من ذلك وأقرَّ بآخر سُئِلَ البرهان على قوله، وعورِضَ فيما أنكر بما أقَرَّ به، ثُمَّ يُسأَل الفرق من خبرٍ مُستَفيض، أو أثرٍ صحيح) (٢).

ثانيها: عدمُ الدليل على هذا التأويل، كما ذكر ابن جرير (ت: ٣١٠) في آخر كلامه السابق.

ثالثها: مخالفة مجاهد (ت: ١٠٤) لإجماع المفسرين على حقيقة المسخ (٣)، قال ابن جرير (ت: ٣١٠): (هذا مع خلاف قولِ مجاهد قولَ جميعَ الحُجَّة التي لا يجوز


(١) ينظر: جامع البيان ١/ ٤٧٢.
(٢) جامع البيان ١/ ٤٧٣. وينظر: البداية والنهاية ٢/ ٩٦.
(٣) ينظر: زاد المسير (ص: ٦٧).

<<  <   >  >>