للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

في سورة براءة ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ فقلت: يا رسول الله إنهم لم يكونوا يعبدونهم. قال: أجل، ولكن يحلون لهم ما حرم الله فيستحلونه، ويحرمون عليهم ما أحل الله فيحرمونه، فتلك عبادتهم لهم) (١).

أمَّا تنْزيل الخوارج الآيةَ على من أطاع الأمراء؛ لأنهم كفارٌ عندهم، ومن أطاع الكافر فهو مثله؛ فباطلٌ من وجوه:

الأوّل: مناقضته لسبب النُّزول الصريح، وأن الآية نزلت جوابًا على شبهات المشركين.

الثاني: مخالفته لسياق الآية، فهو واضحٌ في حكم الْمَيْتَة.

الثالث: أنه جارٍ على أصول المبتدعة في الاعتقاد والاستدلال، فإنهم يعتقدون ثُمَّ يستدِلُّون، وهكذا صنع الخوارج في هذه الآية، فإنهم لمَّا اعتقدوا كُفر من خالفهم من الأمراء ومن أطاعهم، نظروا في كتاب الله فوجدوا هذا الجزء من الآية فاقتطعوه منها، وعزلوه عن السياق، ولم يلتفتوا لسبب نزُوله، وما أجمع عليه العلماء من معناه، فجاء معنىً شاذًّا ناشزًا عن معنى الآية ونظمها، خارجًا عن سياقها، ومباعدًا لسببها، ومخالفًا لأصول الشريعة وأدلتها.

الرابع: أن هذا القول مبنِيٌّ على باطل لا تنْزل الآيةُ بمثله، ولا يصح حملها عليه، فإن تكفيرهم للأمراء الذين خرجوا عليهم وخالفوهم- كعلي ومعاوية وأبي موسى وعمرو بن العاص وابن عباس وغيرهم ، من أعظم ضلالاتهم التي فارقوا بها جماعة المسلمين، وعلى الخصوص صحابةَ رسول الله ، ومناظرة ابن عباس لهم في ذلك معروفة مشهورة. (٢)

* * *


(١) سبق تخريجه ودراسته في الاستدراك رقم (٥) (ص: ٤٨).
(٢) أخرجها أحمد في المسند ١/ ٨٦ (٦٥٦)، وسندها صحيح. وينظر: البداية والنهاية ٧/ ٢٢٢، ٢٢٤.

<<  <   >  >>