للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وما أراد به من الهدايةِ العامَّةِ لجميع الأمم، قرنًا بعد قرنٍ إلى آخرِ الدهر، وأنه جعله إنذارًا لكل من بَلَغه من المُكلفين، لم يَخفَ عليه أن خطابَه العامُّ إنَّمَا جُعِلَ بإزاءِ أفعالٍ حسنةٍ محمودةٍ، وأخرى قبيحةٍ مذمومةٍ، وأنه ليس منها فعلٌ إلا والشَّرِكَةُ فيه موجودةٌ أو ممكنةٌ، وإذا كانت الأفعال مُشتَرَكة، كان الوعدُ والوعيدُ المُعَلَّقُ بها مشتَرَكًا، ألا ترى أن الأفعالَ التي حُكِيَت عن أبي جهل بن هشام، والوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، وأضرابِهم، وعن عبد الله بن أُبَيّ، وأضرابِه، كان لهم فيها شركاءُ كثيرون، حُكمُهُم فيها حُكمُهُم؟ ولهذا عَدَلَ الله سبحانه عن ذكرهم بأسمائهم وأعيانهم، إلى ذكر أوصافهم وأفعالهم وأقوالهم؛ لئلا يَتَوَهَّم مُتَوَهِّم اختصاصَ الوعيدِ بهم وقصره عليهم، وأنه لا يجاوزهم، فَعَلَّقَ سبحانه الوعيدَ على الموصوفين بتلك الصفات دون أسماءِ من قامت به (١)، إرادةً لتعميم الحكم، وتناوله لهم ولأمثالهم ممن هو على مثل حالهم .. ، ولو أن الذين ارتكبوا ما ذكرنا من التفاسير المُستَكرَهَة المُستَغرَبَة، وحملوا العمومَ على الخصوص، وأزالوا لفظَ الآية عن موضوعه، علموا ما في ذلك من تصغير شأن القرآن، وهضمِ معانيه من النفوس، وتعريضه لجهلِ كثيرٍ من الناس بما عَظَّمَ اللهُ قدرَه، وأعلى خَطَرَه، لأَقَلُّوا مما استكثروا منه، ولَزَهِدوا فيما أظهروا الرغبة فيه، وكان ذلك من فعلهم أحسنُ وأجملُ وأولى بأن يُوَفَّى معه القرآنُ بعضَ حَقِّه من الإجلال والتعظيم والتفخيم، ولو لم يكن في تفسير القرآن على الخصوص دون العموم إلا ما يتصوره التَّالِي له في نفسه، من أن تلك الآيات إنما قُصِدَ بها أقوامٌ من الماضين دون الغابرين (٢)، فيكون نفعه وعائدته على البعض دون البعض، لكان في ذلك ما يُوجِب النُّفرَة عن ذلك، والرغبة عنه) (٣).


(١) في هذا الموضع من هذه الطبعة تكرار لهذه الجملة.
(٢) الغابر: من الأضداد، يطلق على الماضي والمستقبل. ينظر: الأضداد، للأنباري (ص: ١٢٩)، ورسالة الأضداد، للمنشي، ضمن ثلاثة نصوص في الأضداد (ص: ١٥٠).
(٣) الصواعق المرسلة ٢/ ٧٠٠.

<<  <   >  >>