للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وحيثُ كان سياقُ الآيات هنا واضحًا في المؤمنين؛ في بيان أحكام الزنا حَدًّا ونِكاحًا وقَذفًا، فالصواب أن المُراد بالفسق هنا: فسقُ المعصيةِ. كما ذكر ابنُ سَلاَّم (ت: ٢٠٠)، وكذا سعيد بن جبير (ت: ٩٥)، ومقاتل (ت: ١٥٠)، وابن زيد (ت: ١٨٢)، وابن نصر المروزي (ت: ٢٩٤)، والسمرقندي (ت: ٣٧٥)، وابن أبي زمنين (ت: ٣٩٩)، والواحدي (ت: ٤٦٨)، وابن القيم (ت: ٧٥١) (١)، وعليه عامَّةُ العلماءِ والمفسرين. (٢)

ولم أجد من فسر الفسق هنا بالشرك، غيرَ أنه جارٍ على أصول الخوارج في التكفير بالكبيرة (٣)، والمعتزلة وإن قالوا إن مرتكب الكبيرة في منْزلة بين المنْزلتين؛ لا كافر ولا مؤمن (٤)، والأباضية وإن سَمَّوا مرتكب الكبيرة كافرًا كفر نعمة، أو كفر نفاق (٥) = فإنهم جميعًا موافقون للخوارج في خلود مرتكب الكبيرة في النار يوم القيامة.

فتفسير الفسق هنا بالشرك، موافقٌ لرأي الخوارج صراحةً، وهو ما يؤول إليه قول المعتزلة والأباضية، باعتبار خلود الفاسق يوم القيامة مع المشركين (٦). قال هود


(١) ينظر: تفسير مقاتل ٢/ ٤٠٨، وتعظيم قدر الصلاة ٢/ ٥٢٦، وجامع البيان ١٨/ ١٠٠، وتفسير ابن أبي حاتم ٨/ ٢٥٣١، وبحر العلوم ٢/ ٤٢٧، وتفسير القرآن العزيز ٣/ ٢٢٢، والوسيط ٣/ ٣٠٥، وكتاب الصلاة، لابن القيم (ص: ٧٥).
(٢) ينظر: المحرر الوجيز ٤/ ١٦٥، والجامع لأحكام القرآن ١٢/ ١١٩، وتفسير الحداد ٥/ ٤٣، وروح المعاني ١٨/ ٤٠٢، وفتح القدير ٤/ ١٢.
(٣) ينظر: مقالات الإسلاميين (ص: ٨٦)، والفرق بين الفرق (ص: ٥٥).
(٤) ينظر: مقالات الإسلاميين (ص: ٢٦٩)، وشرح الأصول الخمسة (ص: ٤٧١)، والملل والنحل ١/ ٤٨.
(٥) ينظر: مقالات الإسلاميين (ص: ١١٠)، والفرق بين الفرق (ص: ٩٧)، وهِميان الزاد إلى دار المعاد ١/ ٢٠٤، و ٣/ ٤٤٣، وتيسير التفسير ١/ ١١٣. ووافقهم في تسميته منافقًا: عمرو بن عبيد، من رؤوس المعتزلة. ينظر: أمالي المرتضى ١/ ١٦٥، وشرح الأصول الخمسة (ص: ٤٨٢).
(٦) ذهب كثيرٌ من العلماء إلى أن الخلاف في مرتكب الكبيرة بين المعتزلة والخوارج والأباضية خلافٌ لفظي؛ لأن المآلَ واحدٌ عند الجميع وإن اختلفوا في الألفاظ، وإنما خفَّفَت المعتزلة- وتبعهم الأباضية- من أحكام مرتكب الكبيرة في الدنيا، فغيرت اسمه، ولم تُحل دمه وماله. ينظر: الفرق بين الفرق (ص: ١١٩)، وشرح العقيدة الطحاوية ٢/ ٤٤٤، وتأثير المعتزلة في الخوارج والشيعة (ص: ٢٠، ٣٧٩).

<<  <   >  >>