للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وحين تُوُفِّيَ رسول الله لم يكن شيءٌ من كتاب الله خَفِيَّ المعنى عن الصحابة ، بل كُلُّ كتاب الله تعالى معلوم المعنى عند مجموع الصحابة ، ثُمَّ يتفاوت علم أفرادهم به بحسب ما اختصَّ الله تعالى كُلًا منهم، ويتقدمهم في هذا العلم علي بن أبي طالب (١)، وابنُ عباس الذي دعا له الرسول بقوله: (اللهم فَقِّهه في الدين، وعَلِّمه التأويل) (٢)، وقال عنه ابن مسعود : (نعم ترجمان القرآن ابن عباس) (٣)، وكذا عبدُ الله بن مسعود، الذي قال: (والله الذي لا إله غيره، ما أُنزِلَت سورةٌ من كتاب الله إلا أنا أعلمُ أينَ أُنزِلَت، ولا أُنزِلَت آيةٌ من كتاب الله إلا أنا أعلمُ فيمَن أُنزِلَت، ولو أعلمُ أحدًا أعلمَ مِنِّي بكتاب الله تبلُغُه الإبلُ لرَكِبتُ إليه) (٤).

ثُمَّ تَحَمَّلَ هذا العلم من بعدهم التابعون وتابعوهم، فساروا فيه على سَنَنِ من قبلَهُم، واختصَّ به جماعةٌ منهم، فأفنوا فيه أعمارهم، واشتهروا به دون غيره من العلوم، فقد سألَ مجاهدُ (ت: ١٠٤) ابنَ عباس عن تفسير القرآن كاملًا وقال: (عرضتُ القرآنَ على ابنِ عباسٍ ثلاثَ عَرَضاتٍ، أَقِفُهُ على كُلِّ آية فيمَ نَزَلَت؟ وكيفَ كانَت؟) (٥)، كما كَتَبَ التفسير عنه كاملًا، قال ابن أبي مليكة (ت: ١١٧): (رأيت مجاهدًا يسأل ابن عباس عن تفسير القرآن ومعه ألواحه، فيقول له ابن عباس: اكتب.


(١) ينظر: شفاء الصدور (مخطوط، ص: ٣٦، ٣٨)، ومقدمات تفسير الأصفهاني (ص: ٢٧١)، والتيسير في قواعد علم التفسير (ص: ٢٤٦).
(٢) أخرجه ابن راهويه في مسنده ٤/ ٢٣٠ (٢٠٣٨)، وأحمد في المسند ١/ ٣١٤ (٢٨٨١)، وسنده صحيح.
(٣) أخرجه ابن جرير في تفسيره ١/ ٦١ (٨٤ - ٨٥)، وسنده صحيح، وينظر: تفسير ابن كثير ١/ ٤٠.
(٤) أخرجه البخاري في صحيحه ٨/ ٦٦٢ (٥٠٠٢)، ومسلم في صحيحه ٦/ ١٥ (٢٤٦٣).
(٥) جامع البيان ١/ ٦٢، وتذكرة الحفاظ، للقيسراني ٢/ ٧٠٦، وقال: (حديث حسن). وينظر: جامع البيان ٣٠/ ٣٩.

<<  <   >  >>