للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

خامسًا: قد يتَّحِدُ قولان أو أكثرَ في وجهٍ من وجوه الترجيح العامَّة، فيُصَارُ إلى الترجيح بوجوهٍ عامَّةٍ أو فرعيَّةٍ أخرى، ومن أمثلته في الاستدراك الواحد الاستدراك رقم (٥٢) حيث وقع فيه الترجيح بدلالة اللغة والسياق في كلا القولين، وكذا الاستدراك رقم (٦٢) حيث وقع فيه الترجيح بدلالَةٍ شرعيَّة للقول الأوَّل، وبدلالَةِ السياق للقولين الآخرين، فيُصَارُ هنا إلى الترجيح بوجه آخر من الوجوه العامَّة أو الفرعِيَّة.

ومثاله في أكثر من استدراك في موضع واحد: قول الحسن (ت: ١١٠) في قوله تعالى ﴿قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾ [مريم ٢٤] قال: كان والله سريًّا، يعني: عيسى . فقال له خالد بن صفوان: يا أبا سعيد إن العرب تسمي الجدول السَّريّ. فقال: صدقت (١). وقال جرير بن حازم (ت: ١٧٠): سألَني محمد بن عبَّاد بن جعفر: ما يقول أصحابكم في قوله ﴿قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾ [مريم ٢٤]؟ قال: فقلت له: سمعت قتادة يقول: الجدول. قال: فأخبر قتادة عنِّي فإنما نزل القرآن بِلُغَتِنا: إنه الرجل السَّريّ. (٢)

فقد اعتمد خالدُ بن صفوان ومحمدُ بن عبَّاد على الترجيح بدلالة اللغة، فهُنا يُصَارُ إلى مُرَجِّح آخر وهو ما ذكره السمرقندي (ت: ٣٧٥) عن حميد بن عبد الرحمن أنه لَمَّا أنكر قولَ الحسن (ت: ١١٠) قال: ألا ترى أنه قال ﴿فَكُلِي وَاشْرَبِي﴾ [مريم ٢٦]؟ (٣). وهي دلالة السياق.

وبِهذا يتبيَّن أثر استدراكات السلف في التفسير على وجوه الترجيح فيه، فقد قَرَّبت الاستدراكاتُ تلك الوجوه وأبرزتْهَا، وساهمت في حصرها وما يُعتَبَرُ منها، وجعلَتها في مُتناوَل المفسرين بعدهم في كل زمان؛ جمعًا وتدوينًا، وتنقيحًا وتطبيقًا.


(١) تاريخ دمشق ١٦/ ١٠٤.
(٢) الدر ٥/ ٤٤٢.
(٣) بحر العلوم ٢/ ٣٢٢. وينظر الاستدراك رقم (٥٨) (ص: ٢٩١).

<<  <   >  >>