للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

في غيرما رواية بقولهم: (وهو مَملوك- من الموالي- كذبَ العبد) (١)، ويلحق به من بعض الوجوه قولهم: (إنها نزلت وهو يهودي) (٢)، ووجه ذلك ما سبق ذِكرُه من عدم الرسوخ وتحقُّق الملكة في اللغة، والموالي وإن كانوا عربًا إلا أن العربيةَ فيهم ملكةٌ مُكتسبَةٌ ليست كالفطرية الراسخة في العربي صليبةً؛ الذي رضعها من صِغره، ودرجَ عليها في قومه، وارتاضَ بها لسانه، وشافه بها أجناس العرب، وعرف ألفاظهم ومعانيهم وأساليبهم وعاداتهم في الكلام.

وكذا كان التَّفَرُّغ لتحصيل العلم والانقطاع إليه من أسباب الرسوخ فيه، وإتقانه، ومعرفة وجه صوابه، وهذا ما لا يتيسَّر للمولى؛ لاشتغاله بخدمة سيده والقيام بأمره، فيفوته شيء من العلم يدركه المصاحب للعلماء، المُلازِم لمجالسهم.

٥ - عُلُوُّ السِّنِّ، وقد وردت الإشارة إليه في غيرما رواية، نحو قولهم: (وأنا يومئذ حدث- والله ما سِنٌّ عاليةٌ- وإني لأصغر القوم- إنك غلامٌ حَدَثُ السِّنِّ- إن صبيانا هاهنا)، وكما في الاستدراكات (٣٣، ٦٢) (٣)، وليس مُرادهم أن صغير السِنِّ لا يُصيب، وإنما نبَّهوا بعبارتهم هذه على أن لعُلُوِّ السِنِّ فضيلةٌ تعين صاحبها على إصابة الحق؛ ففيه لقاء الأكابر، وعلى الأخص الصحابة ، وطول مدارسة العلم ومشافهة العلماء، مِمَّا يُكسِبُ صاحبه ملكةً تُعينه على الصواب وتُقَرِّبُه منه، وكذا طولُ أَمَد التحقيق والنظر، وتَفَحُّصِ الأقوال وتتبعها؛ ليطمَئِنَّ إلى ما يوصِلُه إليه اجتهاده. (٤)


(١) ينظر: جامع البيان ٥/ ١٤٢ عن ابن عباس ، والدر ٦/ ٣٧٤ عن مجاهد، وجامع البيان ٢/ ٥٣٦ عن أبي ماجد الزيادي.
(٢) ينظر: جامع البيان ٤/ ٢٧٦ عن ابن مسعود .
(٣) وينظر: الدر ٣/ ٣٠٣ عن عبد الله بن الزبير ، وجامع البيان ٧/ ١٣٠ عن جبير بن نفير.
(٤) ومن وجوه الترجيح الفرعية أيضًا: الترجيح بكثرة القائلين، وجلالتهم، وباسم السورة، وموضوعها العام، ومناسبات الآيات والسور، وعدم ذكر الكتب الجامعة لأقوال المفسرين غيرَ معنىً واحد للآية، دون غيره من المعاني، ونحوها من الوجوه التي عرضت لها كتب التفسير، واعتمدها المفسرون في الترجيح، ولها شواهد من استدراكات السلف.

<<  <   >  >>