استدراكات السلف في التفسير، وهي في مجملها- في الاستدراكات المدروسة وغيرها- لا تحتوي أيَّ إشارةٍ تَدُلُّ على وجود هذه المدارس في عصر السلف، بحسب المعنى اللغوي المتعارف عليه لهذه الكلمة.
فإذا انضاف إلى هذه المسائل عدمُ وجودِ تعريفٍ واضحٍ لهذا المصطلح عند من استعمله، وعدمُ الاتفاقِ على تقسيمٍ واحدٍ مستوعِبٍ لهذه المدارس، وعدمُ صحةِ نسبةِ عددٍ من أعلام مفسري التابعين إلى هذه المدارس؛ لا بحسب الشيوخ، ولا بحسب الأمصار، وعدمُ شمولِ هذا المصطلح ليستوعبَ كُلَّ من له مشاركة في علم التفسير من أعلام التابعين، وحيث إن كلمة "مدرسة" في عُرف الاستعمال تتضَمَّن نوعًا من الاختلاف أكبرُ وأعمقُ من الاختلاف الموجود بين السلف في علم التفسير، وفي غيره من العلوم = اقتضى ذلك كُلُّه إعادةَ النظرِ في هذا الاصطلاح؛ وتجاوزه إلى التعبير بما هو أصَحُّ وأدقُّ في الدلالة على المُراد منه؛ سواءً في بيان أئمة المفسرين من الصحابة ومن لهم جمهرةٌ من الطلاب اختَصُّوا بهذا العلم، أو بيان أشهر الأمصار التي تميزت ببثِّ علم التفسير بصورة واضحة. ومِمَّا يَصِحُّ أن يُعَبَّر به في هذا المقام، قول ابن تيمية (ت: ٧٢٨)﵀: (وأما التفسير فإن أعلمُ الناس به أهلَ مكةَ؛ لأنهم أصحاب ابن عباس، كمجاهد، وعطاء بن أبى رباح، وعكرمة مولى ابن عباس، وغيرهم من أصحاب ابن عباس، كطاووس، وأبي الشعثاء، وسعيد بن جبير، وأمثالهم، وكذلك أهل الكوفة من أصحاب ابن مسعود، ومن ذلك ما تميزوا به على غيرهم، وعلماء أهل المدينة في التفسير، مثل زيد بن أسلم الذي أخذ عنه مالك التفسير، وأخذه عنه أيضًا ابنه عبد الرحمن، وأخذه عن عبد الرحمن عبد الله بن وهب)(١).