للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثانيهما: لا فرق عند المستَدرِك في استدراكه بين قائلٍ وآخر، بل ربما وقع الاستدراك من الطالب على شيخه (١)؛ فإنهم لا يلتزمون آراء شيوخهم في كل موضع في التفسير، بل يجتهدون ثم يوافقون أو يخالفون عن عِلمٍ وعَدلٍ، ولم يكن تنوُّع الأمصار وتعدد الشيوخ مثيرًا لأحدهم في اعتراضه واستدراكه على غيره.

ثالثًا: إن كان المُرادُ باختلاف المدارس وتنوعها اختلافًا فكريًا منهجيًّا يَمَسُّ أصول التفسير ومنهجه فهذا غير موجود بين السلف كما سيأتي، وإن كان المُراد بهذا التنوع اختلافًا وتمايُزًا فرعيًا جزئيًّا فهو موجود- وبشكلٍ ظاهرٍ كما سبق- في داخل كُلِّ مدرسةٍ تفسيرية، فعلى كِلا المعنيين لا يَصِحُّ إطلاقُ هذا المصطلح على تراجمةِ القرآن (٢) وأمصارهم؛ لعدم مطابقته للواقع.

رابعًا: أكَّدت جمهرةُ الاستدراكات اتِّحادَ منهج وأصول التفسير عند السلف بجميع طبقاتهم، وهذا من أظهر نتائج دراسة الاستدراكات في الباب الأول، فجميعُ مفسري السلف معتمدون في تفاسيرهم على القرآن، والسنة، ولسان العرب، وأسباب النُّزول، وقصص الآي، ونحوها ممَّا يلزمُ للتفسير،، لا يخرجون عن ذلك، ولا يختلفون عليه، وتفاوُتُ علماءِ هذه المدارس في الإلمام بكامل هذه الجوانب، لا يعني اختلاف مناهجهم وتعدد مدارسهم، فاعتماد أحدهم في تفسيره على القراءات أو الشِّعْر لا يعني عدم اعتماد الآخر عليها، أو رَدِّه لها، وإنما هو تفاوت في الإقلال أو الإكثار من هذا المصدر أو ذاك.

هذه أبرز المسائل المتعلقة بالمدارس التفسيرية، والتي برزت من خلال


(١) ينظر: الدر ٣/ ٥٣٣ عن عكرمة وابن عباس ، وجامع البيان ١٢/ ٦٧ عن سعيد بن جبير وابن عباس ، وجامع البيان ١/ ١٦٤ عن ابن جريج ومجاهد، وجامع البيان ١٢/ ٦٦ عن قتادة والحسن.
(٢) أي أئمة المفسرين، كما يسميهم ابن جرير. ينظر: جامع البيان ١/ ١١٠.

<<  <   >  >>