للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أخذ العقالين وجعلهما تحت رأسه وتأوّل الآية، لكونه سبق إلى فهمه أن المراد بها هذا، وكذا وقع لغيره ممن فعل فعله حتى نزل قوله تعالى ﴿مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة ١٨٧]، فعلموا أن المراد به بياض النهار، وسواد الليل)، ثم قال: (وإنما المراد أن ذلك فعله وتأوّلَه من لم يكن مُخالطًا للنبي .. ، أو لم يكن من لغته استعمال الخيط في الليل والنهار) (١).

وقد عَنْوَنَ ابنُ حبَّان (٢) (ت: ٣٥٤) في صحيحه حديثَ عَديّ بقوله: (ذِكرُ البيان بأن العرب تتباين لغاتها في أحيائها) (٣)، وقال ابن حجر (ت: ٨٥٢): (فأما من ذُكر في حديث سهل فحملوا الخيط على ظاهره، فلما نزل ﴿مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة ١٨٧] علموا المراد؛ فلذلك قال سهل في حديثه: (فعلموا أنما يعني الليل والنهار)، وأمّا عديّ فكأنه لم يكن في لغة قومه استعارة الخيط للصبح (٤)، وحَمَلَ قوله ﴿مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة ١٨٧] على السببية، فَظَن أن الغاية تنتهي إلى أن يظهر تمييز أحد الخيطين من الآخر بضياء الفجر (٥)، أو نَسِيَ قوله ﴿مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة ١٨٧] حتى ذَكَّرَهُ بها النبيُّ (٦)، وهذه الاستعارة معروفة عند بعض العرب، قال الشاعر (٧):


(١) شرح النووي على مسلم ٣/ ١٦٤، وفتح الباري ٤/ ١٦١.
(٢) محمد بن حبّان بن أحمد بن معاذ الدارميّ البستي، المحدث اللغوي الفقيه، صاحب التقاسيم والأنواع، توفي سنة (٣٥٤). ينظر: السير ١٦/ ٩٢، البداية والنهاية ١١/ ٢١٩.
(٣) / ٢٤٢.
(٤) ذهب ابن عاشور إلى أنه لا استعارة هنا، وأنه بهذا المعنى معروف في كلام العرب، كما هو في الآية، وفي بيت أبي دؤاد الإيادي الآتي، وقال: (وعندي أن القرآن ما أطلقه إلا لكونه كالنص في المعنى المراد في اللغة الفصحى، دون إرادة التشبيه؛ لأنه ليس بتشبيه واضح) التحرير والتنوير ٢/ ١٨٣، وينظر: معالم السنن ٣/ ٢٣٢.
(٥) رَجَّحَه ابن عاشور في تفسيره ٢/ ١٨٥.
(٦) ويشهد لهذا رواية ابن أبي حاتم: أن النبي قال لعدي لَمَّا أخبره بما صنع: (يا ابن حاتم ألم أَقُلْ لك من الفجر؟، إنما هو بياض النهار، وسواد الليل). تفسير ابن أبي حاتم ١/ ٣١٨، وينظر: فتح الباري ٤/ ١٦٠.
(٧) أبو دؤاد جارية بن الحجاج الإيادي. ينظر: جامع البيان ٢/ ٢٤٠، ولسان العرب ٧/ ٢٩٩.

<<  <   >  >>