بتلك الكسرة هو الذي أبعده عن الحضرة، ليكون همه مجموعًا في تلك اللحظة. فإن الدواعي المتوثبة مشوشة للهم. وكذلك قوله:"لا يقضي القاضي حين يقضي وهو غضبان، " كرامةً للمنصب أن يقوم فيه مشوش الأدوات. وعلى هذا أبدًا. حتى إنه عزل الآباء عن شهادتهم للأبناء لمكان شغفهم بالأولاد. ومغلوب بالطبع لا يجعل معيارًا في الشرع. فعلى هذا كل مهون في الشرع عظيم في الطبع. وتهوين الشرع له علاج ومداواة. فلا ينبغي للواعظ والناهي أن يدخل فيه مدخل المقاواة. فإن الحمية مقاومة للطبيعة. ولا تقاوم إلا بما هو أقوى. وليس عند هؤلاء من اليقين ما يهون عندهم المحسوسات العاجلة. فينبغي أن يسلك معهم مسلك اللطف والمداراة، وتعظيم أمر الآخرة، ولذاتها الموفية على لذات الدنيا. فأما أن تحقر اللذات، وتجعل كالمزابل والميتات، ويجعل أهلها كالكلاب، فهذا لا يقوله إلا من أتلفته الحمية وجعلته شلوًا. فأما من يزاحمهم على اللذات والاستكثار بما يوفي على الكفايات، لا يحسن به أن يستخف ويستزري بمن يطلب ما يطلب، ويرغب فيما يرغب. إذا رأونا العوام على أبواب أرباب الموال مطرحين، ولعل أكثرهم بما يقتنعون به من أجور أعمالهم وأكسابهم عنهم يتعففون، فإذا لم يزروا علينا، فأولى أن لا نزري عليهم. لأن العلوم توجب علينا ظلف النفوس عن الدنايا. فإذا لم تقيدنا العلوم عن طلب