الله سح كتعطيل نعمة كلها من الأموال والحيوان والنبات، وكتعطيل القلوب عن الأفكار والاعتبار والتأمل. ومعلوم أن الله سح ما مدح إلا على الأعمال العائدة بصلاح الأديان والأحوال. ولو أراد إجمام الناس عن العمل لتولى لهم الجزئيات، كما تولى لهم الكليات. فلما وكلها إليهم ومدحهم بما منحهم، فقال:{وعلمناه صنعة لبوٍس لكم لتحصنكم من بأسكم}، كما قال في حق سليمان:{فسخرنا له الريح تجري بأمره}، وقال في حق الآخر:{وأسلنا له عين القطر}، فتارة علم وتارة سخر وتارة سهل بقوله:{وألنا له الحديد}{أن اعمل سابغات وقدر في السرد}، {قل سيروا في الأرض فانظروا}، وهذا عمل {وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله}، {فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه}، وأشباهه من الآي الحاثة على إعمال الأدوات لتحصيل الفضائل وتحصيل الكفايات. وكما أنه أراد إظهار حكمته في آثار صنعته أراد أن يظهر ما طوى من الجواهر في خليقته.
وغاية ما يتعلق به قائل:((أفضل أنه يعدم كد الجسم وأتعابه في درك الفضائل. وما يفي إجمام الجسم عن الأتعاب وحظوته بالرفاهية عن الاكتساب ببقائه على طبيعته الأولى شكلًا ممثلًا من طين مودعًا عن الأعمال.))
انظر كم بين سيف في غمده، وفرس في قيده، ولسان في فمه، وقلم في دواته، وماء في مصنعه؛ وبين سيف في يد كمي يضرب به الهام حماية لجانبه، ونصرتة لعشريته، وفرس يجول بين الصفين كرًا وفرًا بفارس كاشف