لكربة قومه، أو جالب لنفع أهله، معظمًا لحرمة الله، ناصرًا لدعوة الله، ولسان ناطق بحق لا يكشفه إلا بيانه، أو يمدح ممدوح يهذبه كرمه أو ذامًا به من ارتكب مفسدة يكسره عنه ذمه أو وعيده، وقلم بخط زجرًا عن فساد، ويصلح بين طائفتين بما يجريه من لطافة وعذوبة تخرج عن الضمائر الصحيحة في تخاطيط المداد. فإذا كانت الأعضاء والأدوات إنما يتضح شرفها بالأفعال، فكيف بشرف هذا الحيوان الفاضل بالتعطل عن الأعمال؟
انظر ما بين السوائم والعوامل، وبين الراعي والمرعي، وبين الزاق والمزقوق، وبين العائل والمعول، وكيف قال النبي صلعم حيث وصفت صلاة رجل صحب أصحابه في سفر بكثرة صلاة وصيام فقال:((ومن أين يأكل؟ )) قالوا: ((كلنا كنا نعوله.)) فقال: ((كلكم خير منه.)) انظر محل المعيشة من الزوجة والبكر من البنت في باب فضيلة الحد توفي على فضل المعطل عن أسباب النسل. انظر ما بين الساج والزراع، وما بين الغمام الهاطل والعاطل. انظر ما بين العقم والولود. انظر محل الشمس وقت كسوفها إلى محلها في شروقها.
وجملة هذا وتفصيله أن الباري سمي العاطل عبثًا وباطلًا. وذكر لكل خلق ٥ حكمة ليخرجه بها عن حكم التعطل عن الفائدة. والله إن البحر إذا ركد عد جوبة. والجبل لو لم يعلق عليه أنه وتد لصار صكه ومعرا. والريح لما خلت من لقاح قيل فيها العقيم. والجنة وصفت بما وصفت، ثم حملت حال عطلتها عن التنعم بها بأن قيل أعدت فإعدادها تجميلها.