قال له الحنبلي: من حيث حملت الصيغة على الأمر مع احتمالها السؤال، وهو أقل ما يحتمله من رتب الاستدعاء، جاز أن تحمل على الإيجاب دون الندب، وإن كان الإيجاب أعلى محتمليها.
قال المعتزلي: هذا كلام من يظنني أقول بأني أحكم على الصيغة التي أسمعها من شخص من وراء جدار بأنها أمر. كلا؛ بل تقتضي الاستدعاء؛ إذ لا علم لي بالرتبة. والرتبة من شروط كونها أمرًا. قال: وإنما أقول إنني، بعد علمي بأنها أمر بالرتبة، لا أحملها على الإيجاب إلا بدلالة.
قال له الحنبلي: فإذا عدمت العلم بالرتبة لعدم شاهد حال، أو قرينة من لفظ، لم حكمت بكونها استدعاء ومعلوم أنها مستعملة بنفسها في ضده، وهو الزجر؟
قال المعتزلي: هذا لا ينفعل. لأنا أجمعنا على فساد ذلك، وأنه لا تقتضيه اللفظة، لكن القرينة تخرجه إلى الضد بدلالة. فأما كون الأمر أمرًا لا بد فيه من الرتبة ليتحقق أمرًا، فإذا تحقق أمرًا، لم نعلمه أمرًا على صفة زائدة، وهو الحتم، إلا بقرينة تدل؛ ومع الإطلاق لا قرينة.
قال الحنبلي على أصل القاعدة: الاستدعاء المطلق يقتضي إيجاب المستدعى. وذلك لا يحصل إلا باستدعاء على صفة هو الحتم والإيجاب.