قال له المعتزلي: ولم قلت ذلك، وما أنكرت على من قال إن الندب والحث يكفي في اقتضاء إيجاب المستدعى؟
قال له الحنبلي: لو كفى ذاك في الأمر لكفى التنزيه في النهي، ولم يحتج إلى الحتم وإيجاب الترك. ولم نقل إن التنزيه والكراهة كافية في كف المكلف، فنحمله على أقل محتمليه؛ كذلك لا نقول الندب كافٍ في استدعاء المأمور به، ولا نحمله على الإيجاب.
قال الحنبلي: وأما وصف السفيه بالحكمة والجاهل بالعلم يكون استهزاء ويستحيل؛ لأن اللفظ موضوع للمدحة، لكن لا بد من محل صالح يعلق عليه. فصار مع عدم المحلية مستحيلاً إلى التهزؤ؛ كوزانه من مسألتنا قول الباري لنا:{كونوا حجارةً أو حديدًا}، {لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون}، {ذق إنك أنت العزيز الحكيم}. هذا تعجيز، لا استدعاء؛ وهو بصيغة الاستدعاء. وإنما صار تعجيزًا لاستحالة معنى الاستدعاء من المحل.
جئنا إلى مسألتنا. معلوم أن الصيغة صالحة للاستدعاء إيجابًا إذا كانت من الأعلى للأدنى. والأدنى صالح أن يوجب عليه الأعلى. فإذا نقلناها إلى الأدنى وعلقناها على الأعلى فهي استدعاء. لكن المحل لا يصلح لإيجاب من هو دونه عليه. فحملناها على استدعاء على صفة يكون الأعلى مخيرًا