وزمجرة الرعود في خلالها، وتبعق الصواعق ولمعان البروق عند احتداد حركاتها واصطكاكها، وغرائب الوحوش والطيور واختلاف خلقها، وتراجع نغمها وأصواتها، - بمثابة من لم ير سوى نفسه وبيته وسماء داره وفساح بلده. {قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق}. فإذا رأى المسافر أو اطلع العالم على هذه الموجودات، عظم في عقله السبب الذي صدرت هذه الأشياء عنه وعن فعله، وتصاغرت عنده نفسه بإضافتها إلى هذه الكليات، وعلم أنها جزء من كل، وقليل من كثير، وعظم الله سح بآثاره، وعلمه بآثاره وأخباره.
يا ذاكري بالدلائل! تلمح آثاري وحقق النظر في صناعي وإتقاني، فأرجع البصر، هل ترى من فطور؟ ثم أرجع البصر كرتين. بحقي عليك إن فاتتك العبرة من أول نظرة، فكرر النظر مع إحضاره قوة الفكر. انظر ماذا تدرك من الخير بحياتك، سائل الأشياء عني وتسمع جوابك بمسامع الفكرة تدرك الجواب، وتسمع بلسان العبرة. قل للأرض الفسيحة الأريضة ((من دحاك؟ )) وللجبال ((من أرساك؟ )) وللمياه والرياح ((من أجراك؟ )) فإن تعاظمت عليك فسولت لك نفسك بتعاطيها أنها كائنة بنفسها ومكونة لما لطف عنها، فارم بطرفك نحو العوار الذي فيها، والاستحالات التي تطرقت عليها. فإن قال لسان الشبهة عن الشمس ((أنا هو)) فأجبه بلسان الحكمة الذي إذا تعاظم الشيء عند النفس حقق مقداره،