فقل ((فما بال الأفول بعد الشروق؟ )) وإن تجبرت الريح في عيان النفس المسولة، فقال لسان الشبهة ((أنا هو)) قل بلسان العبرة ((فما بال الركود؟ ))
ما أشد محنة التكليف! والناظر إلى أسباب التعريف، إن قصر عن مطالعة الآثار، قصرت عنده الأخبار، وإن حقق في النظر، تعاظمت الأشياء عنده فكاد أن يقف معها عن المؤثر. ولا خلاص إلا بلزوم طريق التحقيق لكل منظور فيه. وما أوقع الشبه للعقلاء إلا البوادر والقنوع بالأوائل عن الأواخر. فتعلم من الحكماء المتقدمين كيف أداموا النظر حتى انكشف لهم الخبر. {رأى كوكبا}، فبادره نظره، و {قال هذا ربي}، لمكان علوه وإشراقه وتشعشع أنواره والكمال الذي نظر فيه ببادرة النظر إليه. ثم استدام النظر فما لبث أن وقف على العوار وتغيير الأحوال. وهو أن أفل بعد شروقه، وغاب بعد طاوعه. فرجع إلى نفسه، فرأى أن الأسباب التي كانت له ثابتة من العلو والشروق قد عادت زائلة. كما أن الناظر، وهو إبراهيم الخليل- صلوات الله عليه، رأى نفسه خارجا من حال كان عليها إلى حال يؤول إليها. فرأى أحوال الطالع غير ثابتة، كما أن أحواله غير ثابتة، فقال:{لا أحب الآفلين}، لا أرضى أن يكون إلهي مثلي في بعض أوصافي. وعاد يطلب له ولذلك الكوكب صانعا لا يدخل عليه من التغير والاستحالة ما دخل عليهما. فاستقرأ القمر والشمس، فرأى الحال فيهما حال الكوكب، فنطق نطق المستدل بما شاهد على ما غاب، فقال:{إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض}.
فتعلم، أيها المستدل، ولا يمنعك ضلال قوم في أفكارهم لقصور