فجعل العبادة خيرًا منه، وجعله من نظير الأكل والكسب. ونحن نظرنا إلى باطن حكمه، على ما [كان] عليه دائبًا، ودأبه في تعليلات النصوص. دل عليه أن فطر المريض، إذا خاف التلف على نفسه، خير من الصوم. ففي الفطر اقتضاء شهوة. وفي الصوم خلاف لهوى النفس وطاعة الله في أصله. لأنه في حال المرض سبب تلف، والفطر سبب بقاء. فصارت الطاعة في النسل سبب. وكذلك لا يجعل صوم الوصال افضل من الصوم والفطر. لأن الوصال يضعفه عن الجهاد والقيام بمصالح الناس. إلا أنه لما وجب حين الخوف دفعًا لضرر الطبيعة توقى الضرر، على ما ذكرنا.
فأما قصة يحي، فليس بحجة فيها أن التخلي لعبادة الله والصبر على النساء أمر ممدوح. وإنا لا نذمه؛ ولكن نقول النكاح على إقامة شروطه أفضل منه. كما مدح في الشرع العزلة عن الإمارة لمخالفة الحق؛ ثم كان المتولي بشروطها أفضل من العزلة عنها، أو يقول نحتمل العزلة. والترهب كان أفضل من العشرة في تلك الشريعة. ونسخ ذلك في شريعتنا. وصارت العشرة خيرًا من العزلة. وعن الفقه أنا نجعل الصلاة أولى ... لا نفضل النكاح لأنه معاملة، بل لأمور أخر بيناها. فصرنا قائلين بحكم علتهم. وكذلك الجواب عن الثاني. ولهذا المعنى جعلنا نحن الطلاق أصله مكروهًا إلا لعارض. لأنه لقطع ما هو محبوب في نفسه. وجعل الشافعي أصله مباحًا إلا بعارض ذمه الشرع يقترن إليه؛ كفسخ البيع.