فقال ((لا أرى خوفًا من جلدكم أو رجمكم، ولا أطيع إلا طمعًا في سعة الرزق، ولا أقاتل في الجهاد إلا لأجل الغنيمة، )) انحبط ثواب طاعته، ولم يحصل له ثواب في اجتناب المعصية. وبمثله لو قال ((والله إنني لا أطيع الله إلا رجاء ثوابه، ولا أترك المعاصي إلا خوفًا من عقابه، )) وهي ناره، لكان ذلك من أحسن ما تقرب به إليه، دون ما يقوله شطاح الصوفية:((لا نعبد الله ولا نطيعه لأجل جنته، ولا خوفًا من ناره.)) فلو جعل العقوبات في الدنيا وسعة الأرزاق والغنائم قطعة من عقابه وطرفًا من ثوابه، لكان ذلك أغرى بأن تصير المقاصد منصبة إليها ولأجلها. وذلك يطعن في معتقد المكلفين ويسقط أحكام تعبداتهم؛ ولأنه يصير إيقاع عقابه في الدنيا على الأعمال كالإلجاء والسياقة إلى الطاعة بنوع من الإكراه.
قال المستدل معترضًا على هذا: أليس قد خسف ومسخ في الدنيا، وعذب بأنواع العذاب؟
قال الحنبلي المعترض: ذاك في حق الأمم السالفة التي علم أنه لم يبق منهم وفيهم ذرية تكون مسلمة. وهذه الأمة أمنها من عذاب الاستئصال. وعذاب الأمم السالفة عند إياس الأنبياء من إيمانهم وإيمان ذرياتهم نطق به القرآن. فقال لنوح:(أنه لن يؤمن من قومك ((إلا من قد آمن)، حينئذٍ فقال:(رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارًا). وكان المعنى فيه أنهم لما صاروا إلى العناد، أخرجهم إلى الدار الآخرة بعذاب. فأوصل العذاب بالعذاب. فلم يتخلل أعمال بين الموت والحياة. فلا يفضي