ما تؤثره أفعال، ما ألزمناه من جحد عذاب القبر، وسؤال منكر ونكير، أنا لو وضعت على صدره خردلاً أو سمسماً، وعدنا فنظرناه، لم نجد ذلك الحب تبدد ولا تغير كما يتغير ويتبدد إذا أجلسه آحادنا.
فقال الحنبلي المستدل: هذا كلام ليس بصحيح. فإن أفعال الملائكة معتد بها إذا أخبرنا الصادق وقوعها. بدليل أن جبريل صلى بالنبي صلع عند البيت. ومن يعتد بصلاته كيف لا يعتد بغسله؟ ولأن في الحديث ما يمنع ذلك. فإن النبي صلع استعلم عن حاله. ولو كان غسل الملائكة لا يعتد به، لما سأل عنه وعن سببه. لأن ما لا يقع موقع التعبد، يقع كرامة وتعظيماً فقط؛ وما يقع كرامة، فلا يسأل عن سببه. فإن الأسباب التي يقع الإكرام عليها من الله لا تقف على أمر يعلمه أهله من أفعال الخير المكتومة والأسرار التي لا يعلمها إلا الله تع. وكيف يقول هذا وآدم أبو البشر عم غسلته الملائكة، وصلت عليه، وقالت لأولاده:((هذه سنة موتاكم، يا بني آدم))؟ ولأن النبي صلع قال، لما مات سعد بن معاذ، وكان فيه من الجراح المثخن ما ورد في النقل:((قوموا بنا نغسله كيلا تسبقنا الملائكة كما سبقتنا إلى غسل حنظلة بن الراهب)). وهذا يدل على الاعتداد بغسل الأول والثاني. وهو ممن كانت الأنصار تفتخر به وتقول ((منا غسل الملائكة))، كما افتخر قوم سعد بن معاذ بأنه اهتز له عرش الرحمان. واهتزاز العرش لا يخلو أن يكون اهتزازاً لمسرة بصعود روحه إلى السماء، وإعظاماً لقتله، وإكباراً لما عانه من ألم الجراح.