للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويمكن أن يقالَ: ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام:

"أوَّلُ الناسِ دخولاً إلى النار ثلاثة: (٣٥٥) رجل آتاه الله عِلماً، فيقال له: ماذا عمِلتَ فيما عَلِمتَ؟ ، فيقول: يا ربِّ، أمَّا إني تعلمتُ وعلَّمْتُ فيك، فيقال: ولكن تعلمتَ ليقالَ، وقد قيل، فَأمُرُوا به إلى النار. (٣٥٦)


= وفي معناه أيضا حديث أبي هريرة رضي الله عنه عنٍ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من تَعلَّم علماً ممّا يُبتغى به وجْهُ الله، لا يتعلمه إلا ليصيبَ به عَرَضاً من الدنيا (أي مالاً أو جاهاً) لِم يجد عَرف الجنة يوم القيامة" أيْ لم يجد رائحتها الطيبة، لكونه بعيدَ المسافة عنها، وإن ريحها ليوجَدُ على مسافة سبعين عاما، كما ورد في حديث آخر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(٣٥٥) هو طرف من حديث صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه، وأخرجه بعض أئمة الحديث والسنة: مسلم، والترمذي والنسائي رحمهم الله، وهو يتناول من قرأ القرآن لغير الله، ومن تعلم العلم لغير الله، ومَنْ جاهد لغير الله، لأن ذلك يُعتَبَرُ من قبيل العمل رياءً وسمعَة، وهو الشرك الخفي الذي حذر منه النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته المومنة، لأنه يذهب بثواب الاعمال الصالحة.
فقد جاء في حديث أخرجه الامام مسلم رحمه الله عن ابي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال الله تعالى (أي في الحديث القدصى): "أنا أغْنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك معي فيه غيي تركنه وشِركه" أي تركتُهُ يطلب ثوابه ممن أشركه معي في العمل التعبدي الذي يجب أن يكون خالصا لوجه الله الكريم، ولذلكم قال تعالى خطابا لنبيه الامين، وتعليما لعباده المومنين: "إنا انزلنا اليك الكتاب بالحق فاعبد الله مُخْلِصا له الدينَ، {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} (سورة الزُّمَر، الآية (٢) وقال سبحانه: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} سورة الكهف. الآية. ١١٠.
(٣٥٦) كذا في نسخة الخزانة الحسنية بالرباط، والمرموز الها بحرف ح، وفي نسخة الخزانة العامة بالرباط كذلك، والمرموز الها بحرف ع (فأمُرْ به إلى النار)، وفي النسخة التونسية المرموز اليها بحرف ت فيومَر به إلى النار". أعاذنا الله من ذلك بفضله وجوده، وعصمنا بفضله وكرمه
حتى تكون كُلَّ الأعمال الصّالحة التي نَتعبَّدُ الله بما وتتَقرَّب بها إليه سبحانه خالصة لوجهه الكريم، ومقبولة منا بفضله وكرَمه العميم.
ومما تجدر الإشارة إليه والتذكير به في هذا التعليق -كما هو معلوم- لدى افاضل العلماء وصفوة الأساتذة الأجلاء، أن الفعل الماضي أمرَ، ومضارعه يامرُ، تحذف همزته الأصلية مع همزة الوصل في صيغة الأمر منه، كما في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مروا أودكم بالصلاة لسبع سنين، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع" أي فرقوا بينهم في فراش النوم عند بلوغهم السنة العاشرة من حياتهم. اللهم إلا إذا كان مسبوقا بالفاء كما هنا في هذا الحديث، أو بالواو كما في قول الله تعالى خطاباً لنبيه الكريم، وتعليما للعباد المومنين الصالحين: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: ١٩٩]. وقوله خطابا بالنسبة لجميع المسلمين: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: ١٣٢] =

<<  <  ج: ص:  >  >>