للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نية، لشهرتها، ويَلزم بالخلية، والبرية، والحرام، والحقي بأهلك، وحبلك على غاربك، ولا سبيل لي عليك، وأنت علي حرام، واذهبي، وتزوجي، وغط شعرك، وأنت حرة،


= فقد قسم الفقهاء ألفاظه إلى أربعة أقسام هي:
اللفظ الصريح، وهو ما فيه لفظ الطلاق، فيلزمه الطلاق بأية صيغة، مثل طلقتك، أو أنت طالق .. الخ
والثاني الكناية الظاهرة أو الصريحة، وهي التي جرت العادة أن يطلق بها بالشرع أو في اللغة، كلفظ التسريح أو الفراق، وكقوله لها: أنت بائن، أو بتَّة أو بَتلة (من البتل وهو القطع) , وما أشبه ذلك، فحكم هذا كحكم الصريح. وقال الشافعى: يرجع إلى ما نواه ويصدق في نيته.
والقسم الثالث من ألفاظ الطلاق الكناية المحتملة كقوله لها: إلحقي بأهلك، واذهبى، وابعدي عني، وما أشبه ذلك، فهذا لا يلزمه الطلاق إلا أن نواه، وإن لم ينوه قبل قوله في ذلك.
والقسم الرابع ما عدا الصريح والكناية من الألفاظ التي لا تدل على الطلاق، نحو اسقني ماء، وإن أراد به الطلاق لزمه على المشهور، وإن لم يرده لم يلزمه.
وموضوع الطلاق وألفاظه ذكرها كثير من الفقهاء في كتبهم، وتوسعوا فيه ودققوا، فأعطوه حقه من البحث والدراسة واستخلاص الأحكام المتعلقة به، صونا للعلاقة الزوجية من أن تكون فيها شبهة، وصيانة للأنساب من الاختلاط، وصونا للأعراض من المساس بها فجزاهم الله خيرا.
قال الشيخ أبو محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني رحمه الله في رسالته الفقهية الشهيرة: "ومن قال لزوجته: أنت طالق البتَّة فهى ثلاث، دخل بها أم لم يدخل ... قال شارحها الشيخ أبو الحسن رحمه الله: "ولا ينوَّى" بضم الياء وفتح النون وتشديد الواو، أي لا يسأل عن نيته، ولا تطلب منه). وقال: ما ذكره هو مذهب المدونة، وشهره ابن بشير، وقيل: ينوَّى في التي لم يدخل بها، وشهره ابن الحاجب فيها وفي سائر الكنايات الظاهرة.
ثم قال ابن أبي زيد: فإن قال لها: أنت بريَّة أو خلية أو حرام، أو حبلك على غاربك، فهى ثلاث في التي دخل بها، وينوَّى في التي لم يدخل بها، أي ينوَّى في عدد الطلاق لا في إرادة غيره اهـ.
وقد أتى الشيخ علي العدوي الصعيدي رحمه الله في حاشيته على شرح أبي الحسن على الرسالة بمعانى هذه الكلمات، وبيان مدلولاتها فقال: برية من البراءة أي برية من الزوج، وخلية، أي خلا الجسم من عصمة النكاح، وحرام، أي ممنوعة منى للفرقة، وحبلك على غاربك، أصله أن يفسخ خطام البعير عن أنفه، ويلقى على غاربه، وهو مقدم سنامه، ويسيب للرعى، فكأن الزوج يقول لها: قد سيبتك وصرت مستقلة لا زوج لك.
قلت: وسيأتي كلام مهم جدا لكل من شهاب الدين القرافي، وقاسم ابن الشاط حول هذه الالفاظ وكناياتها، وإلى أي حد يمكن حملها على الطلاق في كل الأزمان والأحوال كما نص عليه الفقهاء في مختلف كتبهِم، وهو كلام يدعو إلى التأمل جيدا، وأخذه بعين النظر البعيد والتفكير السديد، وذلك في آخر التعليق رقم ٥٩ من هذه المسألة الثالثة التي هي موضوع التعليقات.

<<  <  ج: ص:  >  >>