للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا لا يصح أن يكون مرادا في المسألة بوجه، ثم قال: وإن أريد بالوعد والوعيد من أريد بالخطاب مَمن قُصد بالإخبار عنه بالنعيم أو العقاب فمستحيل أن من أراده الله بالخير ألا يقع مُخْبَرُه، وإَلا لحصل الخلف، ثم قال: فإذا أريد بالوعد هنا وبالوعيد صورة العموم صح التفريق.

قلت: قد مضى أن صورة العموم لا تصلح في الاعتبار.

المسألة الثالثة: إذا فرضنا رجلا صادقا على الإطلاق وهو زيد، فقلنا: زيد ومسيلمة صادقان، أو زيد ومسيلمة كاذبان (٧٩)، فالقضية ليست بصادقة، ولا كاذبة، ولزم الإشكالان المتقدمان.

فأجاب الإِمام فخر الدين بأن قال: هذه القضية في قوة قضيتين: الواحدة صادقة، والأخرى كاذبة، والتقدير: زيد صادق، ومسيلمة صادق. والواحدة صِدق، والأخرى كذب، فقال شهاب الدين رحمه الله: فوضع (٨٠) المسألة على أن الِإخبار عن المجموع لا عن الفردين (٨١)، فقال: والجواب الحق أني


(٧٩) المراد به مسيلمة بن ثمامة، أحد بني عدي بن حنيفة، كان ممن وفَدُوا من بني حنيفة على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يطمع في أن يجعل له النبي - صلى الله عليه وسلم - الأمر بعده لكي يؤمن به ويتبعه، فلما يئس من ذلك ورجع مع قومه إلى بلده اليمامة (وهي بين نجد والبحرين)، استمر في كفره وعصيانه وادعى النبوة، فلذلك عُرِفَ واشتهر بمسيلمة الكذاب، وتبعه قومه في جهله وضلاله، وراسله النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعوه إلى الإسلام والهدى، وذلك بعد رجوع الرسول - صلى الله عليه وسلم - من حجة الوداع. فلما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث إليه أبو بكر رضي الله عنه جيشا بقيادة عكرمة بن أبي جهل، وشرحبيل بن حسنة، ثم بعث إليه بعدهما جيشا كبيرا من المهاجرين والأنصار بقيادة خالد بن الوليد، فحاصره مع المرتدين معه حتى قيل فيه: مسيلمة الكذاب، وانتهى أمره، واستراح المسلمون من ضلاله وادعائه وشره.
(٨٠) في نسخة ح: فوقع، والأولى أوضح في المعنى.
(٨١) عبارة القرافي هنا أظهر، وهي قوله: وهذا الجواب (أي جواب فخر الدين الرازي) يبطل بتضييق الفرض بأن نقول: المجموع صادق أو كاذب، ونجعل الخبر عن المجموع، وهو مفرد في اللفظ، أو يقول المتكلم: أردت المجموع والإِخبار عنه، ولم أرد الإخبار عن كل منهما، فيبطل هذا الجواب. والجواب الحق أن نلتزم في قولنا: هما صادقان، أنه كذب، ووجْهه وتقريره أن الكذب نقيض الصدق كما تقدم تقريره، فإنه عدم المطابقة، الذي هو نقيض المطابقة، والتكلم أخبر عن حصول المطابقة في المجموع، وفي كل واحد منهما، وليست كذلك، لأن الحقيقة تنتفى بانتفاء جزئها. فتنتفى المطابقة في المجموع بنفيها في أحدهما، ولا نشك أنها منفية في أحدهما فيكون الحق نفي المطابقة في المجموع، فيكون الخبر كذبا.

<<  <  ج: ص:  >  >>