للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال شهاب الدين -رحمه الله-: إذا تقررت هذه القاعدة ظهر أن حمل اللفظ على أدنى مراتب جزئياته لا تكون فيه مخالفة اللفظ، لعدم دلالتهِ على غير هذا الجزئي، أما إذا حملنا الأمْرَ على أقَلِّ الأجزاء فقد خالفنا اللفظ بأنه يدل على الجزئي الآخر، وما أتينا به. وهذا كقوله: أعتِق رقبة، وصومُوا رمضان، فلابدّ في هذا الثاني من جميع الأجزاء، بخلاف الأول.

قال: وبهذه القاعدة يظهر بطلان قول من يُخَرِّجُ الخلافَ في غسل الذكر من المذي، هل يقتصر على الحشفة أم لابد من جملته، لأنه اقتصارٌ على جزءٍ لا جزئي، وكذلك تخريجُ الخلاف في التيمم، هل هو إلى الكوعين أو المرفقيْن أو الِإبْطين. على هذه القاعدة لا يَصح أيضاً، فإن الكُوعَ جُزْئي، (٧٠) وإنما يخرج عليها مثل قوله تعالى: "فإنْ آنسْتم منهم رُشداً"، قال بعض العلماء: نَحْمله على أدنى مراتب الرشد، وهو الرشد في المال خاصَّةً، قاله مالك رحمه الله، أو على أعلى مراتب الرشد، وهو الرشد في المال والدِّين، قاله الشافعى، مع أن الرشد بصيغةِ التنكير الدَّالِّ على المعنى الأعم الذي لا يدل على جزئي خاص، فليس في حَمْله على أدْنى الرتب مخالَفَةٌ البتَّة، بخلاف المثالين الأولين. (٧١)

ومنها مسألة الحرام إذا قال: أنت علىّ حرام، هل يُحْمَل على الثلاث أو الواحدة؟ خلاف يصح تخريجهُ على هذه القاعدة، لأنَّ قوله: حرام، مطْلَقٌ يدل على مطلق التحريم الدائر بين الرتب المختلفة، فأمكن حمله على أدناها وعلى أعلاها. (٧٢)


(٧٠) عبارة القرافي: فإن الكُوعَ جزء اليد لا جزئي منها.
(٧١) علق الفقيه ابن الشاط على هذه المسألة بقوله: قلت: قوله: "مع أن الرشد ذُكِرَ بصيغة التنكير الدال على المعْنى الأكم، ليس بصحيح، بل صيغة التنكير دالة على المعنَى المطلق، والمطْلق ليس هو المعنى الأعم. بل هو المعنى الأخصُّ المبهَمُ غيرُ المعيَّن ... اهـ.
(٧٢) علق الشيخ ابن الشاط على هذه المسألة عند الإِمام القرافي بقوله: قلت: قوُله: "لأن قولَه حرام، مطلقٌ دال على مطلق التحريم الدائر بين الرتب المختلفة فأمكَن حمله على أعلاها أو على أدناها"، صحيح، وكذلك شأنُ المطْلَقَاتِ، وليست من القاعدة التي أرادها، لكن هنا أمرٌ آخَرٌ هو سبب الخلاف وهو العُرف في لفظةِ حرام، هل هو الثلاث أو الواحدة؟ . اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>