للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلاف أن المتيمم إذا استعمل تيممه بشروطه فإنه يصح له أن يصلي به، فكيف يقال: لا يرفعُ الحدث.

قلت: بعض اصحابنا المالكيين يقول: كان للابس الخُف المسْحُ عقب الطهاز بالماء ولم يَكُنْ عقب التيمم، والجميعُ طهارةٌ تستباح بها الصلاة، من حيث إن التيمم لا يرفعُ الحَدَث، فلم يَجُزْ أن يمسح بذلك. لأنه برؤية الماء يلزمه غسل رجليه، وليس كذلك الطهارةُ بالماء، لأنه يرفع الحدث، فهو أقوى من التيمم فافترقا. وهذا ما ذكره. وعلى ما ذكره شهاب الدين يبطُلُ له هذا التعليل.

وأيضا، فالظاهر أن يقال: المسحُ على الخفِ رخْصة، وهو إنما ورد عقبَ الوضوء، لقوله عليه الصلاة والسلام: "دعْهُما فإني أدْخلتُهما، وهُما طاهرتان"، فلا يقاس التيمم على ذلك، لأن الرخَصَ تُقصَرُ على ما وردت عليه. وايضا، فالمسحُ إنما كان تخفيفا، وما يُعمَل ذلك إلا بحسب المتوضيء لا بحسب المتيمم. ومن قال بأنه لا يرفع الحدَثَ استدل بقوله - صلى الله عليه وسلم - لجنُبٍ: "أصَلَّيتَ بأصحابك وأنتَ جُنُبٌ" (٣٨)؟ ! وأيضا، فإنه إذا وجد الماء يغتسل.


(٣٨) عن عَمْرو بن العاص قال: احتلمتُ في ليلة بارق في غزوة ذات السلاسل. فأشفقْتُ أنْ أغتسِلَ فأهلِكَ، فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا عَمْرُو، صَليتَ بأصحابك وأنت جُنُبٌ؟ ، فأخبرتُه بالذي منَعني من الاغتسال، وقلت: إني سَمعتُ الله يقول: "ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما"، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يقل شيئا"، أخرجه الإمامان: البخاري وابو داود رحمهما الله.
وفي مسألة رفع التيمم للحدث الاكبر والأصغر أو عدم رفعه لذلك، قال ابو الوليد محمد بن رشد الجد في محابه الشهير: "المقدمات الممهِّدات لبيان رسوم المدونة من الاحكام الشرعيات والتحصيلات المحكمات لأمهات مسائلها المشكلات، قال فيها رحمه الله:
فصل: "والتيمم لا يرفع الحدث الأكبر ولا الأصغر عند مالك -رحمه الله تعالى- وجميع اصحابه وجمهور اهل العلم، خلافا لسعيد بن المسيب وابن شهاب في قولهما: إنه يرفع الحدث الاصغر دون الاكبر، وخلافا لقول أبي سلمة بن عبد الرحمان في أنَّه يرفَعُ الحدثين جميعا: حدَث الجنابة، والحدث الذي ينقض الوضوء .... "
ثم قال ابن رشد بعد ذلك: "وإذا كان التيمم عيد مالكٍ واصحابه لا يرفع الحدث جملة فإنه يستباح به عندهم ما يستباح بالوضوء والغسل من صلاة الفرائض والنوافل وقرآة القرآن، نظرا وظاهرا، وسجود التلاوة وما أشبه ذلك مما تمنعه الجنابة او الحدث الذي ينقض الوضوء ... "

<<  <  ج: ص:  >  >>