للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن أريد بهذا اللفظ العهدُ الحادث الذي شرعه، نحو قوله تعالى {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، فهو حلف ممنوع، وسقطت الكفارة، وكذلك إذا اشتهر اللفظ فيه عرفا امتنع، ولا كفارة ايضا. وبالجملة الاعتبار بالعرف. (١٣). ومن حيث اعتباره قال اللخْمِي: العهدُ أربعة أقسام: تلزم الكفارة في واحد، تسقط في اثنين، وتحلَفُ في الرابع. فالأول: عليّ عهد الله، والاثنان، لك علي عهد الله، وأعطيك عهد الله، والرابع، أعاهدك الله، اعتبره ابن حبيب، وأسقطه ابن شعبان، قال: وهو أحسن. ثم القرائن أيضا اعتُبرت في هذا التقسيم، فهو لمَّا قال: عليّ عهدُ الله أشعرت بتكليف الله وإلزامه، وأن تكليفه واقع عليه، فناسَبَ اللزوم، كما لو قال: عليِّ الطلاق. وأما إذا قال: لك على عهد الله، فلم يلتزمه لله، لكن للمحلوف عليه. وقوله: أعطيك، وعْدٌ للمخاطَب بأنه يعاهده. وأمّا أعاهد الله فيحتمل أن يكون خبراً، معناه انشاء الْمعاهَدَة والإِلزام، ويحتمِل أن يكونَ خبرًا وَعْداً على بابِهِ فلا يلزم به شيء، كَما لو أخبر عن الطلاق بغير إنشاء. قال اللخمي: وهو أحسن، لأن الأصل عدم النقل، وبَرَآةُ الذمة. (١٤).

قال شهاب الدين: وبقي قسم خامس لَمْ أرَهُ لأصْحَابنا، وهو أن يقول: وعَهْدِ الله لقد كان كذا، بواو القسم، فينبغي أن تلزمه الكفارة كما لو قال: وأمانة الله وكفالتِه، وهو أقوى في لزوم الكفارة من الوجه الذي قال فيه مالك إن فيه الكفاز، لأنه إخراج للخبر إلى الانشاء، والأصل خِلافه، وأما هذا فليس فيه أنه إخراج عن أصله في إِلزام الكفارة به (١٥).


(١٣) علق ابن الشاط على ما جاء هنا عند القرافي في هذا اللفظ الثالث الذي هو عهد الله، بِقوله: ما قاله في ذلك صحيح.
(١٤) قال ابن الشاط هنا: فيما قاله القرافي (وجاء ملخَّصا عند البقوري)، فيه نظر. فإن قول القائل: لكَ عليّ عهد الله، وأعطيك عهد الله، يحتمل أن يجري هذان اللفظانِ مجرى: عليَّ عهد الله، لقرينة الحال المشعِرة بتاكيد الالتزام باليمين، ويحتمل أن يجريا مجرَى أعاهد الله. فعلَى الاحتمال الاول تنعقد اليمين وتلزم الكفارة عند الحِنْثِ، وعلى الاحتمال الثاني يقع التردد، وأما القول بعدم انعقاد اليمين بذينك اللفظين، فذلك ضعيف، والله تعالى اعلم. اهـ
(١٥) علق ابن الشاط على هذا القسم الخامس عند القرافي بقوله: ما قاله في ذلك صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>