للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللفظ الرابع، عليَّ ذمة الله، قال مالك: تلزمه الكفارة، ومعني ذمة الله، التزامه (١٦) فهو يرجع إلى كلامه تعالى من حيث الأمر والنهي، والكل كلام نفسي.

ثم إذا قال: وذمةِ الله فهو أقوى في وجوب الكفارة، وأما عليَّ ذمة الله وسائر هذه الأشياء المذكورة، فما كانت قسماً إلا بالعُرْفِ، كما أنها ما كان ذلك القسم بها إلا من حيث إرادة المعنى القديم، وبمجموع ذلك لزمته الكفارة، وإلا لم تلزم ولم يصح اليمين، كما أنه لا يصح أن يقال علي إرادة الله، أو عليَّ علم الله وما أشبه هذا هو قسم (١٧).

اللفظ الخامس، كفالة الله (١٨) قال مالك: إذا قال: عليِّ كفالة الله فحنث لزمته الكفارة، والكفالة بمعنى الضمان، ومعناها هنا وعده بما ألزمه، ووعده


(١٦) قال القرافي هنا: ومنه عقد الذمة للكفار، أي التزامنا لهم عصمة النفوس والأموال والأعراض وما معها. ومنه قول الفقهاء: له في ذمته دينار، والعقد وارد على الذمة، فإن الذمة في الشريعة معنى مقدَّر في المكلف يَقْتل الالزام والالتزام، ولذلك إذا اتصف بالسفه بعد الرشد يقال: خربت ذمته وذهبت، وإذا مات خربت ذمته، أي المعنى الذي كان يقدر لم يبق مقدرا، وتقول العرب: فلان يفى بذمته، أي بما التزمه، وخفر ذمة فلان إذا خانها، وهذا كله راجع إلى الإخبار عن الالتزام أو معناه. وجاء في الحديث: من قال كذا وكذا (من الذكر والدعَاءِ) كان في ذمة الله. أي إن الله تعالى التزم له عند هذا القول حفظه من المكاره، والتزام الله تعالى راجع إلى خبره، فهو نوع آخر من الكلام غير نوع العهد، فإن العهد يرجع إلى الأمر والنهي، والذمة إلى الخبَر، والكل كلام نفسي، فهما نوعان منه، فافهم ذلك .. الخ.
(١٧) عبارة القرافي هنا: ألَا ترى أنه لو قال: عليَّ علم الله، أو عَلى إرادة الله لمْ يتجه إيجاب الكفارة، لأن هذه الصيغ ليست قسما، وإنما هي خبر. والخبر ليس بقسَمٍ إجماعاً، والانشاء العرفي بغير القسم لا يوجب كفارة، فلا بد من النقل عن الخبر إلى إنشاء القسم، وإلا فلا يتجه إلزام الكفارة، واعتقاد أن هذا يمين، البتة، فتأمل هذه التنبيهات، فالفقيه يحتاج إليها حاجة شديدة في الفقه والفتاوى والفروق وتحرير معاني الألفاظ.
وقد علق ابن الشاط على ما جاء عند القرافي في هذا اللفظ الرابع الذي هو عليَّ ذمة الله، ولخصه بقوله: والأظهرُ في هذا اللفظ وثبهه أنه إنشاء للقسم عرفاً، ولذلك رأى فيه مالك الكفارة، والله أعلم ..
(١٨) قال ابن الشاط عن هذا اللفظ الخامس الذي هو كفالة الله وما جاءَ فيه عند القرافي: وهذا اللفظ أيضا كلفظ الذمة، وما أوره من ذكر مرادفاته واشتقاقاته لا حاجة إليه في الفقه، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>