إن النكرات قسمان: منها ما يصدق على القليل والكثير، من ذلك الجنس كقولنا: ماءٌ ومال وذهب وفضة، فيقال للكثير والقليل من جميع ذلك، ومن النكرات ما لا يصدق إلا على الواحد من ذلك الجنس ولا يصدق على الكثير منه كقولنا: رجل، وعبد، ودرهم ودينار، فلا يقال للرجال الكثير رجل، ولا للعبيد عبد، ولا للفضة والدراهم الكثيرة فضة، ولا للذهب الكثير أو الدنانير الكثيرة دينار، فأمكن القول بأنا، وإن قلنا إن الاضافة تقتضي التعميم، فذلك في أسماء الأجناس التي تصدق على الكثير لا على غيرها، ولذلك يفهم العموم من قول القائل: مالي صدقة، ولا يفهم من قوله: عبدي حر ولا من امرأتي طالق، بل لا يفهم مع الاضافة إلّا فرد واحد من ذلك الجنس، وهو عبد واحد وامرأة واحدة، فيحمل قول الاصوليين: "إن اسم الجنس إذا أضيف عمَّ"، على اسم الجنس إذا كان يصدق على الكثير، بدليل موارد الاستعمال، وهو متجه غاية الاتجاه، غير أني لم أره منقولا، وقد نبهت عليه في شرح المحصول. وقال في آخر هذا القسم والمبحث. وهذه كلها مباحث حسنة يمكن الجنوح إليها في مجال النظر وتحقيق الفقه. (٢٨) كذا في نسختي ع، وح، وفي نسخة اخرى من تونس: الصفات بالجمع كما هي عند القرافي في هذا القسم من هذا الفرق. (٢٩) عبارة القرافي أظهر وأتم، إذ قال: من الصفات، الصفات الذاتية، وهي كونه تعالى أزليا أبديًا واجب الوجود، فهذه الصفات ليست معانيها موجودة قائمة بالذات، ولا هي سلب نقيصة كقولنا: ليس بجسم، بل صفات ذات واجب الوجود، بمعنى أنها أحكام لتلك الذات، كما تقول في السواد: إنه جامع للبصر، وفي البياض انه مفرق للبصر، وتصفه بذلك لا بمعنى أن ذلك الجمع والتفريق صفة قائمة بالسواد، بل بمعنى أنها أحكام ثابتة لتلك الحقائق. فكذلك هاهنا، من صفات الله تعالى ما تقدم ذكره على هذا التفسير. ولما لم تكن صفة معنوية زائدة على الذات، سماها العلماء صفات ذاتية، فهذا هو تحقيقها. وقد علق الفقيه ابن الشاط على ما جاء هنا عند القرافي وعقب عليه بقوْله: ليس ما قاله في ذلك بصحيح، فإن الأزلية إنما معناها أن وجوده لم يسبقه عدم، والأبدية أنه لا يلحقه عدم، ووجود الوجود نفي تبدله، فهذه الصفات بجملتها سلبية لا ثبوتية، هذا على إنكار الأحوال، وأما على إثباتها فذلك متجه على أنها أحوال نفسية لا معنوية. وقد رأيت أن أنقل هذا الكلام للقرافي وابن الشاط رحمهما الله، لما لبحث الصفات الإلهية من أهمية ودقة، ولما يتصل بها من الاعتقاد كما هو مقرر في علم التوحيد والكلام، وعلم أصول الفقه، ولا هو معروف من اختلاف وجهات النظر فيه بين الأشاعرة والماتريدية من جهة، وبين المعتزلة من جهة أخرى، والتوسع فيه يرجع إلى كتب الأصول والتوحيد.