للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلذَّات، كما يقال في السواد: إنه جامع للبصر، وفي البياض: إنه مفرق للبصر، فهذا الوصف ليس لأن تفريق البصر قائم في البياض، وجمعه قائم في السواد، بل بمعنى أنها أحكام ثابتة لتلك الحقائق، كذلك هذه الصفة الذاتية.

ثم إذا ظهر معناها فحكمها في الشريعة إذا حلف بها، الظاهر من قول مالك أن الكفارة تترتب عليها، لقوله في عَمْر الله (يميني) أنها يمين. تُكَفَّر، مع أن العمر هو البقاء، والبقاء يرجع إلى مقارنة الوجود والأزمنة، والمقارنة نسبة لا وجود لها في الاعيان، فلعل مالِكاً يقول في هذه كذلك إذا حلف بها أحد، ولم يصرح مالك في هذه الصفات بشيء (٣٠).

قال شهاب الدين: ولكنه قد يقال هذا بطريق التخريج، ثم قال:

يقع الفرق من حيث الأزلية والأبدية، أن الأزلية اقتران الوجود بجميع الأزمنة المتوهمة إلى غير نهاية من حيث ما تقدم، والأبدية اقتران الوجود بجميع الأزمنة المستقبلة، فالأزل والأبد متباينان لا يجتمعان، فكان الأبد فيه معنى التجدد، فلا ينعقد اليمين بها، والأزلُ إن جوزتم اليمين به، بمعنى القدم، يلزم عليه أن من حلف بقدم العالم من حيث قدمه يلزمه الكفارة، وذلك باطل.


(٣٠) عبارة القرافي هنا أتم وأبين وهي: وأما حكمها إذا حلف بها (أي بالصفات الذاتية) فالظاهر من قول مالك أنه قال في (عمر الله يميني) يكفِّر (أي تَلزَمه الكفارة عند الحنث) مع أن العمر هو البقاء، والبقاء يرجع إلى مقارنة الوجود في الأزمنة، والمقارنة نسبة لا وجود لها في الأعيان، فقد اعتبر النسبة وجعل حكمها حكم الصفة الوجودية، فلعله يقول في هذه الصفة كذلك، ويوجب بها الكفارة إذا قال الحالف: وأزليةِ الله تعالى ووجوب وجوده وأبديته، ولم أر فيه نقلا غير ما ذكرته لك من التخريج.
وعلق ابن الشاط وعقب على هذا الكلام، عند القرافي بقوله: ما قاله القرافي في ذلك صحيح، غير ما قاله في البقاء إنه يرجع إلى مقارنة الوجود في الازمنة، فإنه ليس كذلك، فإنه تعالى متصف بالبقاء، سواء وجد زمان او لم يوجد، فإن الزمان من جملة الحوادث.
وبهذا تتضح عبارة القرافي المختصرة عند البقوري في هذه المسألة.

<<  <  ج: ص:  >  >>