للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فحاشا الله يحتمل وجهين، كما أن معاذ الله يحتمل أن يراد بها إعاذة الله وصفاتُه العلا، فإن معاده من العود، وإليه يرجع الأمر كله، غير أن ابن يونس لم ينقل إيجاب الكفارة مع النية إلا في معاذ الله خاصة (٣٥).

المسألة الثانية، هاهنا ألفاظ اختلف في مدلولها، هل هو قديم يجوز الحلف به ويلزم بِهِ الكفارة، أو هو محدث فلا يجوز الحلف به ولا يلزم به الكفارة؟ . وهذه الألفاظ هي غضب الله ورحمته، ورضاه ومحبته، ومقته وبغضه ورأفته، ونحو ذلك من الألفاظ التي يمتنع حملها على الله. ويتعيَّنُ أن المراد بها المجاز. واختلف في المجاز المرِاد بها (٣٦)، فقال أبو الحسن الأشعري: الراد بهذه الأمور إرادة الإحسان لمن وُصِف بذلك من الخلق، من صفة الرحمة ونحوها، أو إرادة العقاب لمن وُصف بذلك من الخلق في لفظ الغضب ونحوه. وقال القاضي أبو بكر الباقلاني: المراد بذلك أن الله تعالى يعاملهم معاملة الراحم والغاضب، فيكون المراد الاحسان نفسه أو العقاب نفسه. فأبو الحسن يرد ذلك إلى معنى قديم، والقاضي إلى معنىً حادث. وياتي في القرآن مواضع يتعين فيها مذهب الشيخ أبي الحسن، ومواضع يتعين فيها مذهب القاضي، ومواضع تحتمل المذهبين (٣٧).

فقوله تعالى: "ربنا وسعت كل شيء رحمةٌ وعلما" (٣٨). ظاهر فيه مذهب


(٣٥) والإعادة والمعاد ذكرت كذلك هنا بالدال المهملة مما يدل على أنها بهذا المعنى مقصودة أيضا، فهي من العود بمعنى الرجوع، كما تشهد له الآية التي ذكَرها، ومنه قوله تعالى: "إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد".
(٣٦) علق الشيخ ابن الشاط على كلام القرافي هذا كما نقله اليقوري، فقال: ما قاله القرافي من امتناع حقائقها على الله إنما ذلك بناء على تفسيرها بما يمتنع عليه، كتفسيرهم الرحمة بالرقة، والمحبة بالميل، وفي في لك نظر، للكلام فيه مجال، لكن على تسليم امتناع تلك الحقائق لا بد من الصرف إلى المجاز كما قال العلماء، والله أعلم. ذلك أن القرافي قال: "هذه الالفاظ لا تتصور حقائقها الا في البشر والامزجَة والمخلوقات. ولمّا استحالَتْ حقائقها على الله تعالى تعيَّنَ حملُهَا على المجاز، فاختلف العلماء في المجاز المراد بها."
(٣٧) قال الشيخ ابن الشاط: ما قاله القرافي وحكاه صحيح.
(٣٨) سورة غافر: الآية ٧

<<  <  ج: ص:  >  >>