للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأيضا فَذَكَرَ البُرَّ، فنبَّه به على ما فيه الرفاهية، وذكر الشعير، فنبه به على الأدنى الكائن عند الشدة، وذكر التمر فنبهَ به على ما فيه التفكه مع الاقتيات، وذكر المِلح، فنبه به على ما فيه إصلاح الطعام، واشتركت كلها في الاقتيات والادخار والطعْم، وهي صفاتُ شرفٍ، تُناسب أن لا يبدَّل الكثير منها بالقليل منها، صوْنا للشريف عن الغبْن فيذهب الزائد هدَراً، ولأن الشرف يقتضي كثرة الشروط، كما أن الملوك لا تُكْثِر الحُرَّاسَ إلَّا على الخزائن النفيسة، فكُلَّمَا عظُمَ شرَفُ الشيء عَظُم خطَرُهُ عقلا وشرعاً وعادة، وجاز التفاضل في الجنسيْنِ (٤٨) وإهدار الزائد، لمكانِ الحاجة في تحصيل المقصُود (٤٩) وامتَنع النَّسَاءُ، إظهاراً لِشَرَفِ الطعام والنقود التي هي حاكمة على جميع الأشياء، وبذلك كان شرفها أيضا، (٥٠) وعِلة مالِكٍ أرجحُ من علة أبي حنيفة بالكيل، لسبعة أوْجُه:


(٤٨) قال القرافي هنا رحمه الله في تلخيص تعليل منع ربا التفاضل والنَّساء: "فهذه اثنا عشر مذهبا، منها عشرة في علة الربا: منعُ الربا مطلقا إلا في النَّساء، منعُهُ في النَّساءِ مع المنصوص عليه. فهذان لا تعليل فيهما. والعشرة في التعليل هي: تعليله بالجنس، تعليله بكونه زكُويا. تعليله بكونه مكيلا أو موزونا. تعليله بكونه مكيلا. تعليله بكونه مطعوما. تعليله بكونه مقتاتا تعليله بكونه مقتاتا مدخراً. تعليله بالاكل والادخار مع اتحاد الجنس. تعليله بالمالية. تعليله بالاقتيات والادخار مع الغلبة. ومن الاصحاب من علل البُرّ بالقُوتِ غالبا، والشعيرَ بالقوت عند الضرورة، والتمر بالتفكه غالبا، والملح بإصلاح القُوتِ، فيحصُلُ في المذهب قولان. هل العلة في الجميع واحدة أو متَعَدِّدة؟
(٤٨ م) في نسخة ع، وح: في الجنس، وفي نسخة ت: في الجنسين، وهي ما عند القرافي، وهي أظهر وأصْوب فلْيُتَأمَّل ولْيُحَقَّقْ.
(٤٩) كذا في جميع نسخ الترتيب ع، وح، وت. وعند القرافي: في تحصيل المفقود، فليتأمل.
(٥٠) قال القرافي هنا رحمه الله: وتعليل أبي حنيفة بالكيل طردي فيقدَّم عليه المناسب، وتعليل الشافعي بالطعم داخل فيما ذكرناه، فهو مُهَمِل لبعض المناسِب، بخلافنا، بل أهمل أفضل الاوصاف، وهو الاقتيات، ولم يعتبره إلا مالكٌ رضي الله عنه.
وهذه القاعدة تُعرَف بتخريج المَنَاط، وهيَ أن الحكم إذا ورد مقرونا بأوصاف، فإن كانت كلها مناسِبةً كان الجميع علة، أو بعضُهَا، كان علة واحدة، فأسعدُ الناسِ أرجحهم تخريجا، وعِلْمُ مالك أرجح لسبعة أوجه: الخ ... "، وهذا ما اعتمده الشيخ خليل رحمه الله في هذا الباب حيث قال - كما اشرت إليه سابقا: "فَصْلٌ: "علة طعام الربا اقتيات وادخار، وهل لغلبة العيش (اي هل يشترط كون ادخاره لذلك)؟ تاويلان".

<<  <  ج: ص:  >  >>