للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لاجتمع له العوضان، والأرزاق ليست بمعاوَضةٍ الْبتةْ، لجوازها في أضيق المواضع المانِعة من المعاوضة وهو القضاء والحكْمُ بين الناس، فلا ورَعَ حينئذ في تناولِ الرزق على الإمامة من هذا الوجْه، وإنما يقع الورَعُ من جهة قيامه بالوظيفة خاصة، فإن الارزاق لا يجوز تناولها إلا لمن قام بذلك الوجه الذي صرح به الإِمام في إطلاقه.

المسألة الثالثة: الإقطاعات التي تُجْعَلُ للأمراء والأجناد، من الأراضي وغيرها، (١٨) هي أرزاق من بيت المال وليست إجارة لهم، ولذلك لا يُشترط فيها عليهم مقدارٌ من العمل، ولا أجَل ينتهِي اليه كالإِجارة. نعَمْ لا يجوز تناولهُ إلّا بما قاله الإِمام من الشرط، وهو التهيُّؤ للحرب ولقاءِ العدو والمناضلَة على الدّين ونَصْر كلمةِ الإسلام، والاستعدادُ بالسلاح والخيْل، ومن لم يفَعَلْ ما شُرِطَ عليه في ذلك فلا شيء له، لأن مال بيت المال لا يُستحَق إلا بإطلاق الإِمام على ذلك الوجه الذي أطلقه.

المسألة الرابعة: وقع في كتاب البيانِ والتحصيل لابنِ رشدٍ ما ظاهِرُه أن للامام أن يُوقِفَ وقْفا على جهة من الجهات، ووقع للشافعية مثلُ ذلك، ومقتضَى ذلك


(١٨) قطاع الأرض أو الأراضى الموات هو جعلَها من طرف السلطان أو من ينوب عنه من الولاة في يد بعض الافراد والجماعات، وتخصيصهم بها ليقوموا على استصلاحها وخدمتها واستغلالها بالزرع والغرس ما دامت هناك مصلحة في الأقطاع لهم، تتجلى في إحياء تلك الاراضي واستثمارها، على أن تبقى ملكا عاما للدولة، تسترجعها منهم متى اقتضت المصلحة العامة ذلك.
وأصل مشروعيته وجوازه السنة النبوية، وفعل الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم.
فعن علقمة بن وائل عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقطعه أرضًا في حضرموت.
وأحكامه التفصيلية مذكورة في الكتب الفقهية والحديثية، وكتب الاحكام السلطانية، مثل كتاب الماوردى، والفَرَّاء وغيرهما من علماء الفقه والشريعة الاسلامية ومنهم من خصَّها بتأليف صغير تناول فيه ما يتعلق بهذا الموضوع من بيان وتفصيل. قال الفقيه العلامة أبو الحسن علي بن محمد الماوردي الشافعي رحمه الله، "إقطاع السلطان مختص بما جاز فيه تَصرُّفهُ، ونفذت فيه أوامِرُهُ، ولا يصح فيما تَعَيَّنَ فيه مالكه وتَمَيز مستحقه، وهو ضربان: إقطاع تمليك وإقطاع استغلال" ... الخ. للفقيه العلامة العباس بن ابراهيم كتاب في الموضوع، أسماه الإمتاع باحكام الاقطاع بخطوط

<<  <  ج: ص:  >  >>