للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أربابها ولا تنتقل عنهم إلا ببيانٍ، لكنه إذا كانت هناك عادةٌ فيما فيه تمليكُ الانتفاع من حيث اللفظ، عمِلنا أيضا بحسب العادة، وهذا كالمدارس يجوز أن يُسْكِنَ المُمَلَّك إيّاهُ غيرَه المدةَ اليسيرة، ولا يجوز المدةَ الكثيرةَ، فالعادة جرَتْ أن الضيف يَرِدُ على الساكن بالمدرسة ويُنزله في بيت له فيها، وصاحب الوقف يعرف هذا، واستمرت به العادة، فكان ذلك دليلا على سمْح الواقف في مثل هذا لا في أزيَدَ منه، ومثْلُ هذا أن يختزن في البيتِ الشىِء اليسير لا الكثير.

ومِثْلُ هذا، الضيفُ، لَيْس له أن يعْطِىَ غيْرَهُ من ذلك الطعام إلّا ما جرت به العادة مثلُ السَنَّوْر. ومثل هذا حُصُرُ الوقف ليْس له أن يعطيها ولكن يفرشها، وكذلك زيتُ الوقيدِ ليس له أن ياكله، وهذا وإن كان قد مَلك عيْنه لا منفعتَه فهو من الشيء الذي قُصِرَ على شيء خاص، فلا يَخْرُجُ عن ذلك إلا بعادة كانت معروفةً إن كانت، والله أعلمُ.

قلت: ولْنذْكُرْ مسائل تليق بكتاب الاجارة وهي ثلاث (٣٠):

المسألة الأولى. قال مالك: يجوز إجارة المدَبَّرِ ولا يجوز إجارة أم الولد، والكُّلُ ممنوع من بيعه، فلِمَ كان ذلك؟ .

فالجوابُ أنَّ عِتْق أم الولد أقوى ما بيّنّاه، ويكفى في ذلك أن البطْلان يتوجَّهُ إلى عتق المدَبَّر (٣١) دون أمِّ الولد، وأيضا فعتْقُ أمِّ الولد يتنجَّزُ على الحال، وإنما بقي


(٣٠) هذه المسائل الثلاث هي مما أضافهُ الشيخ البقوري إلي كتاب شيخه القرافي رحمهما الله
(٣١) كذا في نسخة ع، وفي ت: يتوجَّهُ نحوَ المُدَبَّر.
والعبْدُ المدَبَّرُ بفتح الدال والباء والمشددة، هو العبد الذي يقول له السيد في عقدٍ معه: أنت حرٌّ عن دُبُر منى (اي أنت حرٌّ عند إدباري عن الدنيا وإقبالي على الآخرة بالوفاة)، ونفس الشيء بالنسبة للمدبَّرة، ولذلك يكون العبد في هذه الحالة فيه شائبة حرية، فالتدبير عقد من العقود بين العبدِ وسيده، يجب الوفاء به كباقي العقود .. الخ
وأم الولد هي الأمَة يطأهَا سيدها بملك اليمين فَتَلِدُ معه، فيحرم عليه حينئذ بيعُها وهبتُها والمعاوَضَةُ على رقبتها أو على خدمتها، وتكون حرة بعد وفاة سيدها (مالِكِها). أنظر تفاصيل هذهِ الاحكام المتعلقة بالعتق في الكتب الفقهية، ومنها كتاب المقدمات لابن رشد الجد، فإنه اُبان تلك الاحكام بتدقيق وتفصيل، رحمه الله وجزاه خيرًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>