للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"فرع"

قال ابْنُ أبي زيد: لو رضى الخصم بحكم الكافر أو المسخوط لمْ يحْكَمْ له به، لأنه حق لله تعالى.

الحجة الثانية، الشاهدان واليمين، ما علمتُ عندنا ولا عند غيرنا خلافاً في قبول شاهديْن مسلميْن عدْلين في الدماء والديون.

وقال مالك رحمه الله: إنْ شهِدَا لَهُ برِبَاع (٨٧) في يدِ أحَدٍ لا يستحقُّها حتى يَحلف ما باع ولا وهبَ ولا خرجتْ عن يده بطريق من الطُّرُق المُزِيلَةٍ للملْك، وهذا الذي عليه الفُتْيَا والقضاءُ عندنا.

وعلَّلَهُ الأصحابُ بأنه يجوز أن يكون باعها لهذا المدّعَى عليه، أو لمن اشتراها هذا المدعَى عليه منه. ومع قيام الاحتمال لابُدَّ من اليمين، وهذا مُشْكِلٌ بالديون، فإنه يجوز أن يَكون أبْرأهُ من الديون، أو دفَعَه له وعاوضه عَليه, ومع ذلك فلا اعتبارَ بهذه الاحتمالات، وإذا قبِلْناهُما في القتْل، ويُقتَلُ بهما مع جواز العفو، فلَأنْ يُقْضَى بهما في الأموال أوْلَى.

وبالجملة, اشتراطُ اليمين مع الشاهديْن حيث ذُكر، صعبٌ (٨٨)، لا سيما وهو يقول عليه السلام: "شاهِدَاكَ أوْ يَمِينُهُ" (٨٩) وكذلك {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ}، فالظَّاهرُ أن الشهادة كما ذكر حجَّة تامَّةٌ لا حاجة إلى اليمين مع الشاهِديْن، وكذلك قال الشافعي وغيرُهُ، سوى مالِك، وهو الصحيح.


(٨٧) كذا في جميع النسخ ع، ح، ت. بعين، وهو ما في نسخة أخرى رابعة وما عند القرافي، وهي أنسب وأظهر، لأن العين حينئذ أعم وأشمل للرِّباع وغيرها، فلْيُتأمل.
(٨٨) كذا في جميع النسخ: ع، ح. ت. وعند القرافي: "وبالجملة فاشتراط اليمين مع الشاهدين ضعيف"، وهو تعبير أظهر وأوضح.
(٨٩) عن الأشعث بن قيس قال: "كان بيني وبين رجُلٍ خصومةٌ في بئر، فاختصمْنَا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: شاهِداك أو يَمينُهُ"، فقلت: إنه يحلف ولا يبالي، فقال: من حلَف على يمين يقتطع بها مالَ امرئ مسلم لَقِىَ الله وهو عليه غضبان" اخرجه الشيخان: البخاري ومسلم رحمهما الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>