للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني أن الأنصَار جآت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقالت: إن اليهود قتلت عبْد الله وطرحته في نقير، فقال عليه السلام: أتحْلِفون وتستحِقُّون دَمَ صاحبكم؟ قالوا: لَا، قال: فتحْلِفُ لكم يهودٌ، قالو: كيف يحلفون وهم كفار؟ (١١٠).

الثالث ما رُوِي أن المقداد اقترضَ من عثمانَ رضي الله عنه سبعة الآف درهم، فلَمّا كان وقتُ القضاء جآء بأربعةِ آلاف، فقال عثمان: أقرضتُكَ سبعةَ آلاف، فترافعا إلى عمر، فقال المقداد: يحلف وياخُذُ، فقال عمر لعثمان: لقد أنصَفَكَ، فَلَمْ يحلف عثمان، فنقل عمرُ اليمين إلى المدّعي، وتَوَافَقَ ثلاثتُهم على هذا، ولم يخالفهم غيرُهم، فكان إجماعا، ولَنا غيرُ هذه الوجوه، ذكرها الفقهاء (١١١).


(١١٠) أي فجعل عليه السلام اليمين في جهة الخصم، وهذا إشارة إلى الحديث الصحيح المروى عن رافع بن خديج أن محيِّصَة بن مسعود وعبد الله بن سهل انطلقا قِبَل خيْبَر، أي جهتها، فتفرقا في النخل، فقُتِلَ عبد الله، فاتَّهموا اليهود، فجاء أخوه عبد الرحمان وابنا عمه حُوَيّصة ومحيِّصة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فتكلم عبد الرحمان في أمر أخيه وهو أصغر منهم، فقال: كبِّرْ الكُبْر (أي عظم من هو أكبر منك واتْركه يتكلم، أدبا معه)، أو قال: لِيبدأْ الأكبر، فتكلما في أمر صاحبهما فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - يُقْسِمُ خمسون منكم على رجُل منهم فَيُدْفَعُ بِرمته، (أي يُسَلَّم إليكم مشدودا في الحبل الذي يربط به القاتل الجاني حين يُسلَّمُ إلى اولياء المقتول)، قالوا: أمْرٌ لمْ نَشهَدْه، كيف نحلف؟ ! قال: فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم، قالوا: يا رسول الله، قومٌ كفارٌ، فَوَداهُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مِن قِبَله" أي أدَّى ديته من عنده، وأعطاها لأولياء المقتول، درءا للفتنة والعداوة بين الأنصار واليهود في هذه النازلة وسببها.
(١١١) أوصلها القرافي إلى ثمانية وجوه:
منها القياس على النكول في باب القوَد، والملاعِنة لا تُحَدُّ بنكول الزوج.
ومنها لو نكَل عن الجواب في الدعوى لم يحكم عليه، مع أنه نكول عن اليمين والجواب، فاليمين وحَدها أولىَ بعدم الحكم.
ومنها أن البينة حجة المدعي، واليمين حجة المدعى عليه في النفي، ولو امتنع المدَعي من إقامة البينة لم يُحكَم عليه بشيء، فكذلك المدعى عليه إذا امتنع من اليمين لم يُحْكَمْ عليه. ومنها أن المدعي إذا امتنع من إقامة البينة كان للمدّعى عليه إقاتها، فكذلك المدعى عليه إذا امتنع من اليمين فيكون للآخَر فِعْلُها.
ومنها أن النكول إذا كان حجة تامة كالشاهدين وجبَ القضاء به في الدماء، أو ناقصةً كالشاهد والمرأتين أو يمين، وجب استغناؤه عن التكرار، أو كالاعتراف يُقبَلُ في القود بخلافه، فالاعتراف لا يفتقر إلى تكراره بخلافه.

<<  <  ج: ص:  >  >>