للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أبو حنيفة إن كانت الشهادة ما بين السُّرَّة والرُّكْبَة قُبِلت فيه واحدةٌ. وقال أحمد بن حنبل: الواحدة مطلقا مما لا يطلع عليه الرجال. وعِنْدَنَا لابُدَّ من اثنتين وتكفيان.

أمَّا أن الواحدة لا تكفي، فلِأنها لوْ كفَتْ لكان الرجل وحدَه أوْلى بأن يكون كافيا، وليس كذلك باتفاق. أمَّا أن الاثنتين كافيتان فلأِن الاكتفاء بالنساء ما كان إلا لموضع الضرورة، وطلبُ أربِعِ ضد القصد من ذلك.

واحتجَّ أحمد بأن عُقْبةَ بن الحارث، شهِدتْ امرأةٌ بأنها أرضعتْهُ وأرضعت امرأةً كان قد تزوجها، وأدَّتْ الشهادةَ عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَبِلَها وقضَى بشهادتها، وهو عُمدة أحمد (١٢٢).

قلت: الظاهر الرجوع اليه، وترْكُ أدِلتنا في مقابلته.

الحجة الثانيةَ عشرة: اليمين الواحدة: إذا تنازعا دارا ليست في أيديهما قسمت بينهما بعد يمينهما، فيقضَى لكل واحد بمجرد يمينه، وقاله الشافعي, (١٢٣) وكذلك إذا استوت البينتان والأيْدي، أو البيناتُ من غير يدٍ بأن يكون ذلك في يد ثالثٍ فإنها تُقْسَمُ بينهما (١٢٤).

قال شهاب الدين: وإن قال الذي المتنازَعُ فيه بيده: لا أعلم أهِي لهما أو لغيرهما؟ ، فالموضىح موضىح نظرٍ وتَوَقُّفٍ، بخلافِ ما إذا قال: هي لا تَعْدُوهُما، فَهُنَا يحلفان كما مضى، وتُقسَم بينهما.

قال شهاب الدين: واليمينُ فيما ذُكِر دافعةٌ لا جالبة، قال: وكثير من الفقهاء يَعتقد أنها جالبة، وأنها يُقضَى بالمِلك بها، وليس كذلك.


(١٢٢) ومن حججه أيضا, ما روى عن على كرم الله وجهه أنه قَبِل شهادة القابلة وحْدها في الاستهلال، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في الرضاع: شهادة امرأة واحدة تجزئ، والقياسُ على الرواية. وقد أجاب القرافي رحمه الله عن هذه الوجوه، وأبان عن وجهة نظره ونظر المالكية فيها.
(١٢٣) وهي أقل حجة في الشريعة بسبب أنَّا لم نجدْ مرجحا عند الاستواء إلا اليمين.
(١٢٤) بَعْدَ أيمانهما، لوجود الترجيح باليمين، ويدل على ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أُمِرْتُ أن أحكم بالظاهر، والله يتولَّى السرائر"، وهذا قد صار ظاهرا باليمين فيُقضى به لصاحبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>