قلت: ما ذكره يصعب، كيف تكون دافعة في الصورة الْأولى وهي إنما كانت في يدِ غيرهما؟ ، بل الظاهر أنها جالبة، سواء قلنا بأن الذي كانت في يده قال: هي لا تَعْدُوهما، أو قال: لا أدْرى، وهي الصورة التي قال فيها: موضعُ نظر، واللهُ أعلم.
الحجة الثالثةَ عشْرةَ: الإِقرار. من أقرَّ لغيره بحق أو عَيْنٍ، قُصي عليه بإقراره، كان الغيْرُ بَرأْ أو فاجِراً، فإن كان الْمُقَرُّ به عيْناً قضي على المُقِرِ بتسليمها للمُقَرِّ له إن كانت في يد المُقِر، ولا يُقْضَى بالمِلك، بل بالتزام التسليم، لاحتمال أن يكون الثالثُ، وإن كان المقَرُّ به بيد الغير لَمْ يُقْضَ به، وإنَّما يؤثِّر الإِقرارُ فيما بِيَد المُقِر، أو ينتقلُ بيده يوماً من الدهر، فيُقضَى عليه حينئذ بموجِب إقراره.
الحجة الرابعةَ عشْرةَ: شهادة الصبيان بعضِهِم على بعض في القتل والجراح.
ولقبولها عشرةُ شروط: الأول العقل، ليفهموا ما رَأوْا. الثاني الذكورة، لأن الضرورة لا تحضل في اجتماع الْإِناث. وروي عن مالك: تُقبل شهادتُهُنَّ، اعتباراً لهُنَّ بالبالغات لوْثاً في القسَامة. الثالث، الحرية، لأن العبد لا يشهد. الرابع الإِسلام، لأن الكافر لا يُقبَلُ في قتل أو جراح، لأن الضرورة إنما دعت لاجتماع الصِّبْيَانِ لأجْل الكفار. وقيل: يُقبَل في الجِراح، لأنها ضعيفة، فاقتُصِرَ بها على أضعَف الأمْريْن. الخامس أن يكون ذلك بينهم، لعدم ضَرورة مخالفة الكبير لهم. السادس أن يُسَمع ذلك فهم قبل التفرق، لئلا يُلَقَّنُوا الكذِب. السابع اتفاق أقوالهم، لأن الاختلاف يُخِلُّ بالثقة. الثامن أن يكونا اثنين فصاعداً، لأنهم لا يكون حالُهم أتَّمَّ من الكبار. هذا هُو نقْل القاضي في المعُونة. (١٢٥). زاد ابن
(١٢٥) المراد به القاضي عبد الوهاب البغدادي، فهو صاحب كتاب المعونة على مذهب عالم المدينة، وهو كتاب فقهى جليل مفيد، كان في عالم المخطوطات. وذَكرتْ مجلة الدعوة الاسلامية الصادرة، بالرياض، عدد ١٤٨٧ أنه طبع مؤخرا، وهو بذلك سيعزز المكتبة الاسلامية في موضوع الفقه الاسلامي، إلى جانب أمهات كتب الفقه على مذهب الإِمام مالك رحمه الله، ورحم سائر الائمة الأعلام، وفقهاء الاسلام في كل عصر ومكان.