للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يونس: التاسع أن لا يحضر كِبَارٌ، فَمَتَى حضروا سقطت شهادة الصبيان، رجالا كانوا أو نساء، لأن شهادة النساء تجوز في الخطأ، وعَمْدُ الصبي كالخطأ.

العاشر، قال شهاب الدين: رأيت بعضَ المعتَبَرين من المالكية يقول: لابُدَّ من حضور الجسد المشهودِ بقتله، وإلا فلا تُسْمع. ونقله صاحب البيان عن جماعةٍ من الأصحاب. قالوا: لابدَّ من شهادة العدول على رؤية البدن مقتولا، تحقيقا للقتل. ومنع أبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وأشهب من أصحابنا، وجماعة من العلماء، شهادةَ الصبيان.

وقال بقبولهَا عليٌّ وابنُ الزبير، وعمر بن الخطاب ومعاوية، وخالفهم ابن عباس رضي الله عنهم.

لَنَا أن اجتماع الصغار، (١٢٦) واللعبَ بينهم بآلات الحرب، وصُنْع كل ما يكون فيه تدريب واستعداد لقتال الكفَرة الأعداء، مندوب ومامور به في الشرع، وقد يُتصور بينَهم قتلٌ أو جرح، فتركُهم دون أن يُقضَى بشهادتهم يؤدِّي إلى هدْر دمائهم، إذ ليس محل لعبهم خلاً يحضُر فيه كبير، فتقبل شهادة بعضهم على بعض بشروط، الغالب مع اعتبار تلك الشروط الصدق في الشهادة، فتُغَلَّبُ المصلحة الغالبةُ على المفسدة النادرة، لأنه دأبُ صاحب الشرع, كما جوَّزَ الشرع شهادة النساء منفرداتٍ حيث لا يكون الرجال بذلك الموضع. (١٢٧)

ثمَّ إن الصحابة رضي الله عنهم قضَوا بذلك.

ومن منَعَ احتج بأن العدالة اشتُرطتْ في الشهادة وهي غير موجودة، والنهي قد توجه قِبَلَ الشهود بقوله تعالى: {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا}، وذلك


(١٢٦) عبارة القرافي لنا قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}، واجماع الصبيان للتدريب في الحرب من أعظم الاستعداد ليكونوا كبارا أهلا لذلك، ويحتاجون في ذلك لحمل السلاح حيث لا يكون معهم كبير، فلا يجوز هَدْرُ دمائهم، فتدْعوا الضرورة لقُبول شهادتهم على الشروط المتقدمة، والغالب مع تلك الشروط الصدق ونُدْرة الكذب، فتقدَّم المصلحة الغالبة على المفسدة النادرة.
(١٢٧) عبارة القرافي: "في الموضح الذي لا يطلع عليه الرجال، للضرورة".

<<  <  ج: ص:  >  >>