للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يتوجه إلا على مكلف. قالوا: وأيضا فَهُو لا يُعْتَبَر إقراره، فكذلك شهادته، بل شهادته أحْرى، لأن البَرَّ والفاجر يُقْبَلُ إقراره، بخلاف الشهادة. (١٢٨)

قلت: الدليلان الأولان يرجعان إلى الاستدلال بالمفهوم، وفيه ما فيه وأمَّا النهي فلا نُسَلِّمُ أن الصغير لا يؤمَر ولا يُنهَى، بل يؤمر ويُنهى. غايةُ ما يقال: أن الأولياءَ يامرونهم وينهَوْنهم، فنقول: هَبْ أن الأمْرَ كذلك فقد أمِرُوا ونُهُوا.

وأمّا الحمل على الإِقرار، فقد قلنا: إن شهادتهم كانت للضرورة مخافةَ هدْرِ الدّماءِ، والإِقرارُ بقي على أصله، فلا يُحمَل عليه الموضع الذي لحقت الضرورةُ فيه.

الحجة الخامسة عشرة: القَافة (١٢٩) حُجَّة شرْعية عندنا في القضاء بثبوتِ الأنساب. ووافقَنَا الشافعي، وخالفَنَا أبو حنيفة وقال: الحكْم بها باطل.


(١٢٨) كما احتج بقوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ}، وهو يَمْنَعُ شهادة غير البالغ، وبقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} , والصَّبي ليس بعدل، وبالقياس على غير الجراح، وبأنَّ الصبَّي لو قُبلت شهادتُه لقُبلت شهادة الصبيَان إذا افترقوا، كالكبار، وليس كذلك، أو لَقبلت في تخريق ثيابهم في الخلوات، أَو لجازت شهادة النساء بعضهن على بعضٍ في الجراحٍ، وهذه الوجوه في احتجاجات منع قبول شهادة الصبيان أجاب عنها القرافي رحمه الله واحداً واحدا، فليرجع إليها من رغب في التوسع فيها في كتاب الأصل. "الفروق".
(١٢٩) القافة والقيافة تتُّبع الأثَرِ، والقائف هو من يتتبع الآثار ويعرفها، ويعْرف شه الرجل بأبيه وجَدِّه وأخيه مثلا.
وأصل مشروعيتها واعتمادها ما في الصحيحين وغيرِهما عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم مسرورا تبْرُق أسارير وجهه، فقال: يا عائشة: ألمْ تَرَى، أن مجززا المدلجي دخل عليَّ فرأى أسامةَ وزيدا، وعليهما قطيفة قد غطَّيَا رؤوسهما وبدَتْ أقدامهما فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض".
وسبب ذلك كما ذكره القرافي وشراح الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قد تبنَّى زيد بن حارثة، وكان أبيض، وابنه أسامة أسود، فكان المشركون يطعنون في نسبه، فشق ذلك على النبي - صلى الله عليه وسلم - لمكانته منه، فلما قال المدلجي ما قال، سُرَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك، وهو يَدُل من وجهين:
أحدهما أنه لو كان الحدْسُ باطلا شرعاً لما سُرَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنه لا يُسَرُّ بالباطل.
وثانيها أن إقراره عليه السلام على الشيء من جملة الأدلة على المشروعية، وقد أقر مجززا على ذلك، فيكون حقا مشروعا .. الخ. وقد سبق هذا في الجزء الأول، اثناء الكلام على قاعدة الفرق بين الرواية والشهادة (من قاعدتَيْ الخبر)، ص ٢٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>