للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المقصورة لكونها خرجت من القِصارة، بل لأنها تغسل بعد ذلك، وهذا الثوب المتردد بين الغالب والنادر لم يُغسل، فإنا كنا لا نقضى بطهارته لأجل عدم الغسل بعد القِصارة، الذي لأجله حكمنا بالطهارة، فهو حينئذ ليس من جنس الغالب الذي قضينا بطهارته، لأن ذلك مغسول بعد القصارة، وهذا الثوب غير مغسول. كذلك في الألفاط، فإنا لم نقضِ على لفظ بأنه مجاز أو مخصوص لمجرد كونه لفظاً، بلْ لأجل اقترانه بالقرينة الصارفة عن الحقيقة إلى المجاز، واقترانِ المخصِّص الصارف عن العموم للتخصيصَ, وهذا اللفظُ الواردُ ابتداءً، الذي حملناه على حقيقته دون مجازه، والعموم دون الخصوص، ليس معه صارف من قرينة صارفة عن الحقيقة، ولا مخصِّصٌ صارفٌ عن العموم، فهو حينئذ ليس من جنس ذلك الغالب، فلوْ حَملناهُ على المجاز أو الخصوص لحملناه على غير غالب، فإنه لمْ يوجدْ لفظ من حيث هو لفظ، حُمِل على المجاز ولا الخصوص البتَّة، فضلا عن كونه غالبا، بل هذا اللفظ قاعدة مستقلة بنفسها، ليس فيها غالب ونادر، بل شيء واحدٌ وهو الحقيقة مطلقا، والعمومُ مطلقا، فتأمَّل ذلك (١٥٤ م).

القسمُ الثاني: ما ألْغَى الشارع فيه الغالب والنادر معا، وأنا ذاكرٌ منه إن شاء الله عشرين مثالا.

الأول: شهادة الصبيان في الأموال - إذا كثُرَ عددهم جدًّا - الغالبُ صدْقهم، والنادر كذبهم، ولم يعتبر الشارع صِدقَهم، ولا قضىَ بتكذيبهم، بل أهمَلَهُم.

الثاني: شهادة الجمع الكثير من. جماعة النسوان في أحكام الأبدان، الغالبُ صِدْقُهُم، والنَّادرُ كذِبهم، لا سيماح العدالة، وقد ألغَى صاحب الشرع صدقهم فلم يحكم به، ولا حكمَ بكذِبِهم، لطفاً بالمدَّعَى عليه.


(١٥٤ م) زاد القرافي هنا قوله: "فهو شرط خفِيَّ في حَمل الشَّيْءِ على غالبه دُون نادِره، وهو أنه من شرطه أن يكون من جنسه كما تقدّم تقريرهُ بالمثال، فظهر أن حمل اللفظ على حقيقتِه دون مجازه ابتداء، والعموم دون الخصوص، ليس من باب الحمل على النادر دون الغالب، ولقد اوردت هذا السؤال على جمع كثير من الفضلاء قديما وحديثا، فلم يحصل عنه جواب، وهو سؤال حسن، وجوابه حسنٌ جدًّا".

<<  <  ج: ص:  >  >>