للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: لا أسَلِّم أن حكم عمرَ ضىِ الله كان مرتَّباً على علم عمَر، فلعل البينةَ كانَتْ، ولكنه ذكر علمه معها، تزكيةً لشهادةِ الشهود.

قال: وثالثُها قوله تعالى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} (٢٠٩)، وقد علِمَ القسطَ فيقُومُ به.

قلت: ليس في الآية تعرضٌ لِمَا يحكم به ولكنه لصفة الحكم، وذلك أن يكون بالعدْل لا بالجَوْر.

قال: ورابعُها أنه إذا جاز أيضا الحُكْم بالظن الناشئِ عن قول البينة فبالعِلم أوْلى، ومِن العجب جَعْل الظن خيرًا من العِلم.

قلت: لا عجَبَ فيه من حيث إن ذلك العلم إذا جُعلَ الحكْمُ مستنِدا إليه تطرقتْ التُّهَم للقاضي، فسُدَّ، حسماً للباب كُلِّه.

قال: وخامسها أن التهمة قد تدخل عليه من قِبَل البينة فيَقَبْلُ من لا يُقبل.

قلت: ليست التهمة على الاطلاق بمرعِيَّة، بل هي -كما قلنا- ثلاثة أقسام: قوية، وضعيفة، ومتوسطة، وقد مضَى حكْم الأقسام الثلاثة، فليسَت التهمة اللاحقة له عن العلم كالتهمة الاحقة له في قَبول شهادة الشهود.


= خذ هذا الحَجَر من هنا وضعْهُ ها هنا، فقال: واللهِ لا أفعل، فقال عمر، واللهِ لَتَفْعَلَنَّ، فقال: والله لا أفعل، فعلَاه عمرُ بالدِّرة (أي بالعصا الخفيفة التي كان يحملها معه)، وقاْل: خذه لاأمُ لك، فإنك - ما عَلِمتُ، قديمُ الظلم، فأخذه فوضعه حيث قال: فاستقبل عمر رضي الله عنه القِبلة، فقال: اللهم لك الحمد، إذْ لم تُمتنى حتى غلبتُ أبا سفيان على رأْيه، وأذللته بالِإسلام، فاستقبل القبلة أبو سفيان، وقال: اللهم لك الحمد اذ لم نُمِتْنى حتى جعلتَ في قلبي ما ذللتُ به لعمر".
(٢٠٩) سورة النساء، الآية ١٣٥، وأولها قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ}. وفي سورة المائدة: الآية ٩: قوله سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}

<<  <  ج: ص:  >  >>