للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: وسادسها أن العمل بالمسموع آكَدُ على السامع من العمل بما رُوي (٢١٠).

ثمَّ الأمر في الحكم هل هو أحْرى بذلك من الرواية، لأن الرواية تُثْبت شيئا عامًّا، والقضاء متعلق بشخص خاص، فَخَطَرُهُ أقَلّ.

قلت: قد مضى في قاعدةِ الخبر والانشاءِ والفرقِ (٢١٠ م) بين الخبر والشهادة، ما يبطِل هذا الأحْرَى، والوجهُ الذي من أجله كانت الشهادة يُشترَط فيها أشياءُ لا تُشْترط في الرواية.

قال: وساْبعها أنه لَوْ لم يحكم بعلمه لَفُسِّقَ في صُوَر:

منها أن يَعلم ولَادة امرأة على فراش رجلٍ، فيُشهَدُ عنده بأنها مملوكته، فإنْ قبِلَ البينة مكَّنَهُ من وطئها وهي ابنته، وهو فاسق، وإلَّا حَكَم بعلمه وهو المطلوب.

ومها أن يَعلم قتل زيد لعمرو، فيشهدُ عنده بأن القاتل غيره، فإن قَبِلَهُ قَتَل البرِيء، وذلك فسق، وإلَّا حكم بعلمه وهو المطلوب.

ومنها لو سَمعه يطِلِّق ثلاثا فأنكر، فشهدت البينة بواحدةٍ، فإن قبل البينة مكَّنَه من الحرام، وإلَّا حكَمَ بعلمه.

قلت: يَتْرُكُ الحكمَ في الصور كلها، وترْكُ الحكم ليس بحُكْمٍ، ويَخْلُصُ بذلك من الفسق.

قال: وثامنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اشترى فرسا، فجحده البائع، فقال: من يَشهَدُ لي؟ فقال خزيمةُ: أنا يارَسولَ الله، تخبرنا عن خبر السماء فنصدقك،


(٢١٠) عبارة القرافي أوسع وأوضح وهي: أن العمل واجب بما نقلته الرواة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فَمَا سمعه المكلف أولى أن يعمل به ويحكم به بطريق الأولى، لأن الفُتَيا تُثبتُ شرعا عاما إلى يوم القيامة، والقضاء في فرد لا يتعدى لغيره، فخطره أقل.
(٢١٠ م) كذا في نسختيْ ع، وح، وفي ت: "والفرقِ بين الخبر والشهادة" بزيادة الواو، وهو اظهر واوضح، حيث يكون فاعِل الفعل مضى هو قوله: "ما يبطل هذا الاحرى"، فليُتَأمَّل وليصَحَّحْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>