للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أفلّا نصدِّقك في هذا؟ فسمَّاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذا الشهادتين. (٢١١)، فهذا - وإن استدل به المالكية على عدم القضاء بالعلم، فهو دليل لنا من جهة حكمه عليه السلام لنفسه، فجوَّز أن يحكم لغيره بعلمه، لأنه أبْعَدُ في التهمة من القضاء لنفسه بالإِجماع.

قلت: لا دلالة في الحديث على أنه أخذ الفرس وحكَم لنفسه، وقد قال الخطابي: سمَّى النبي - صلى الله عليه وسلم - خزيمة ذَا الشهادتيْن، مبالغة لا حقيقة، قالوا؟ وبالقياس على التجريح والتعديل.

قال أبو محمد في المعُونة: ليس هذَا حُكْماً.

قلت: ولو سلَّمنا أنه حكْم لكان مستثنىً للضرورة، من حيث إنه يؤدِي إلى التسلسل، لأنَّهُ محتاج لبينة بجرح أوَ تعديل، وكذا الأمر.

المسألة الثانية: وهي مرتَّبة على الأولى. قال أبو الحسن اللخمي: إذا حكم بما كان عنده من العلم قبْل الولاية أو بعْدها في غيْر مجلس الحكومة أو فيه، فللقاضى الثاني نقضُهُ، فإن أقرَّ الخصم بعد جُلوسهما للحكومة، أو أقرَّ بشئٍ قبل أن يتقدَّما للحكومة ثم أنكَرَ، قال محمد: يَنقض هو ذلك دون غيره من


(٢١١) أخرجه الامام أبو داود في سننه وكذا الامام البَيْهقي رحمهما الله عن خزيمة بن ثابتٍ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابتاع من سواءِ بن الحارث المحاربي فَرَساً، فجحَده المحاربي، فشهد له خزيمة، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، مالك على الشهادة ولم تكن معه؟ فقال: صدَّقتك بما تقول، وعرفت أنك لا تقول إلا حقا، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "من شهد له خزيمة أو شهد عليه فهو حسبُهُ"، أي يكفيه.
قال الامام الشافعي رحمه الله: فلو كان الاشهاد حتْماً (أي واجبا عند التبايع) لم يبايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بِلَا بَيّنةٍ.
وفي رواية: فطفق الأعرابي يقول: هَلُمَّ شهيدا أني بايعتك (أي بعت لك الفرس)، فقال خزيمة: أنا أشهد أنك بايعته، فأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي خزيمة، فقال: بمَ تشهد؟ قال: بتصديقك (أي بنبوتك ورسالتك)، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهادة خزية شهادة رجُلين"، (تَعْدِلهُمَا وتقوم معهما، وتلك مزية ومكرمة وخصوصية لهذا الصحابي الجليل رضي الله عنه وعن باقي الصحابة أجمعين.

<<  <  ج: ص:  >  >>