فحلف عليه بالطلاق أنه ما فعله، لمْ يلزمه الطلاق، وفي كلا الموضعين، فالبَيِّنَة قدْ قامت على فعل ما حلف عليه.
فالجواب أنَّه إذا حلف بالطلاق أنه لا يفعل شيئا فقد ترتبت اليمينُ عليه، فإذا قامت البينة بفعل ذلك الشيء توجَّه عليه الحكم باليمين المرتبة عليه، وليس كذلك إذا حلف بعد الشهادة أنه ما فَعَل مَا شهدا به، لأنه لم يترتب عليه حكمٌ قَبْلَ الشهادة، فحصل بذلك تكْذيبٌ لشهادتهم.
المسألة الثامنة: قال مالك: إذا ارتضيا بأنْ حكَّما بينهما رجُلاً، لزمهما ما يَحكم به عليهما، ولم يكن لأحدهما الرجوع عنه، وإذا ارتضيا شهادة شاهدٍ لم يلزمهما ذلك وكان للمشهود عليه الرجوع، وفي الجميع فالحكم موجود.
فالجواب أن إمضاء الشهادة إنما هو استدعاء لما يَعْلَمانِه (٥٢)، فإذا ادعيا خلاف ذلك كان لهما، ولمن ادعاه منهما الرجوع، لأنه يقول: لمْ يات بما أعْلَمُهُ، وليْس كذلك التحكيم، لأنه استدعاء لما لاْ يعلمانِه، فلم يكن فيه الرجوع، لأنه لا يصح أن يكون فيه تكذيب من المحكوم عليه، والله أعلم.
المسألة التاسعة: قال مالك: إذا ادَّعى المرتهن تلَفَ الرَّهن وهو ممّا يغاب عليه لم يُقْبَل قولُهُ، ولزمه الغرم، وإذا ادَّعى المودَع تلَفَ الوديعة. كان القول قوله، وفي كلا الموضعين فالدعوى فيما يغاب عليه موجودةٌ.
فالجواب أن المرتهن غير أمين، فلم يقَبل قوله فيما يغاب عليه، والمودَعَ مؤتمَن، فيُقبل قوله في التلَف، لأن الأصول مبينة على هذا، إن كان مؤتمنا قبِل قوله فيما يدَّعيه إلا أن يوجَد خلافه.
وأيضا فإن الرَّهن إذا كانَ مما يغاب عليه حصل في ذمة المرتهِن، لأنه قبضه لحق نفسه، فلم يُقبَل قولُه في تلَفه، لأنه مدّعِ لبرآة ذمته، إذ هي في الأصل
(٥٢) كذا هنا في نسخة ع، وفي نسخة ت: إنَّما اسْتَرْعى بما يَعلمانِه.