فالجواب أن النفقة لا يُمْكنه الإِشهاد علَيها، لأنه لو تكلَّف ذلك لضرَّ به الضررَ الشديدَ، قَقُبِل قوله فيها، والدفع يمُكنه الِإشهادُ عليه، فَلَمْ يكن فيه ضرورةٌ كالنفقة.
المسألة الثالثةَ عشرة: إذا شهِد شاهد على قتل الخطأ أقسَمَ معَهُ واستحَقَّ الدِيَة، وإذا شهد شاهدٌ على إقراره بالقتْلِ لم يُقسِمْ معه، والكُلَّ شهادة على قتْلٍ.
فالجوابُ أنه إذا أَقسَمَ مع الشاهد الواحد فذلك لأنه لوْث، (٥٤) واللوْث يُقبَلُ فيه الشاهد الواحد، وأمَّا الإِقرار فلا يُقبَل منه إلا اثنان كسائر الإِقرارات.
المسألة الرابعة عشرة: إذا أقر العبد بالزني أو السرقة قُبِل إقراره وَحُدَّ، وإنْ أكذبه السيد، واذا أقر بدَيْن لِإنسان أو بغصْبٍ لم يُقبَلْ قوله إذا أكذبَهُ السيّد، والكل إقرار، فلم كان الفرق؟ .
فالجواب أن إقرارَه بالسرقة والزني لا يلحقه فيه تهمة أن يكون أراد الاضرار بسيده، قَقُبِل إقرارُه، وليس كذلك الإِقرار بالدَّين، للتهمة فيه مع إنكار السيِّد.
المسألة الخامسةَ عشرةَ: قال مالك: يقيم السيد على عبده حدّ الزني، بخلاف حدّ السرقة، والكُل حدّ لله تعالى، فلِمَ كان التفريق؟ ،
فالجواب أنه يُتَّهَم في السرقة أن يُريد به التمثيل، وجَعَل السرقةَ علة لذلك، بخلاف حدّ الزني.
(٥٤) اللّوْثُ بفتح اللام والثاء المعجمة: البينة الضعيفة غيرُ الكاملة، وهي كلمة يذكرها المحَدِّثون والفقهاء في باب القَسامة بالأيمان من المدعين للقتْل على شخص لم يثبت عليه ذلك يقينا وقطْعاً. وقد ترجم لها الإِمام مالك رحمه الله تعالى في كتابه الموطأ، في كتاب القسامة، وتبرئة أهل الدم بالقسامة في حَديث طويل، فقال: "الأمْر المجتمع عليه عندنا، والذي سمعتُ ممن أرْضَى، في القسامة، والذي اجتمعت عليه الأمة في القديم والحديث، أن يبدأ بِالأيمانِ المدَّعُون في القسامة فيحلفون، وأن القسامة لا تجب إلا بأحد أمرين: إما أن يقول المقتول: دمي عند فلان (أي هو الذي قتلنى)، أوياتي ولَاة الدم بلوث من بينة وإن لم تكن قاطعة على الذي يُدَّعى عليه الدم (أي القتل)، فهذا يوجب القسامةَ لمدعى الدم على من ادعَوْهُ عليه، ولا تجب القسامة إلا بأحد هذين الوجهين" ... الخ.