للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسألة السادسه عشرة: إذا أقرَّ بقتل الخطأ ثم رجع عن إقراره قُبِل منه، وإذا أقرّ بقتل العَمْد لم يُقبَل منه، وفِى كِلَا الموضعيْن هو رجوعٌ عن إقرار.

فالجواب أن المستحَقَّ بِقَتْل الخطأ الدِيةُ، وهي إنما تُستَحق على غير المُقِرِّ وهُم العَصَبَة، فإذا أقر بذلك كان إقراراً على غيره، فكان كالشهادة على الغير، فإذا رجع قُبِل منه، لأنه كالشاهد إذا رجع عن شهادته. وقتْلُ العمدِ، المستَحَقُّ فيه الْقَوَد، (القصاص)، والقود إنما يستحق على القاتِل، فالمُقِرُّ به مقِر على نفْسه، فلمْ يُقْبَل منه الرجوعُ عنه لذلك، إذْ الأصول مبْنيةْ على أنَّ من أقرَّ على نفسه بِحقٍ، فلا يُقبلُ منه الرجوع عنه، إلا أن يكون له وجْهٌ في ذلك.

المسألة السابعةَ عشرَةَ: الواجب في شجاج (٥٥) العبد الأرْبع من قيمته بقَدْر ما في الحُرِّ من ديته، وفيما عداها من الجِراح ما نقَصَ من قيمته، وفي كِلَا الموضعين فهى جراح بِعَبْد.

فالجواب أن هذه الجراح الأربع لمَّا كان فيها شيء مُسَمى في الحُرِّ وجَبَ أن يكون ذلك فيها في العبد، وأيضاً فإنا لو لم نعتَبر ذلك بالحُرِّ لَأدّى إلى هدرها،


(٥٥) الشجاج بكسر الشين: جمْعُ شجة بفتحها، وهي الجراحة أيْ الجَرْحُ في بعض الأعضاء، وتُجمع أيضا على لفظها جمع مؤنث سالما، فيقال شجَّات. قال الشيخ الزرقاني رحمه في شرحه على الموطأ في ترجمة ما جاء في عَقْل الشِجاج، أي في ديتها: وإنما تسمّى كذلك إذا كانتْ في الوجه أو الرأس. والمرادُ بالشجاج، الجراحات المصطلح عليها في الحديث والفقه باسم: الموضحة، والمنقلة، والمأمومة، والجائفة.
ففي الموطأ للإِمام مالك، والرسالة لابن أبي زيد القيرواني رحمهما الله، أن الْمُوضِحَة في الوجه مثْل الموضحة في الرأس، وفيما أوضح العظمَ من الجراحة. والمُنَقِلةُ هي الجراحة التي طار فراشها، بفتح الفاء كسرها، وهو الرقيق من العظم، ولم تصل إلى الدماغ، لأنه مقتل من الرأس.
والمامومة هي ما وصل إلى الدماغ، وكذا الجائفة، ليس فيما دون الموضحة عقل (أي دية) إلا الاجتهاد. فالعقل في باب الحدود والقصاص مصطلح شرعي ويراد به الدية، ويجمع على عقول كنفوس. وقد ترجم لها بذلك الإِمام مالك رضي الله عنه في كتاب الموطأ، بعنوان: كتاب العقول، وتوسع في الكلام عليها شراحه، وشراح الأحاديث كعب الفقه المطولة، فليرجع إليها من أراد التوسيع في الموضوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>