للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنها تَبرأ وتزولُ حتى كأنْ لم تكن، وليس كذلك ما عداها من الجراح، لأنها لابدَّ ممَّا تؤثر تاثيرا مَّا (٥٦)

المسألة الثامنة عشرَةَ: الواجبُ في عين الأعور الدية كاملة، والواجب في إحدى اليَدَيْن إذا كانت الأخْرى مقطوعة أو شَلَّاءَ (٥٧) نصف الدية.

فلِمَ كان هذا؟

فالجواب أن المنفعة توجَدُ بإحدى العينين كوجودها بالجميع، فإذا أتلف عليه منفعتها كأنه أتلف منفعة كاملة توجد بالعينين، فوجبت الدية كاملة، لأن المنفعة كاملة، وليس كذلك في سائر ما بالبدن ممّا فيه شيآن.

قلت: وقد تقدم وجْة آخرُ من الفرق في القاعدة الأخيرة، فانظره.

المسألة التاسعة عشرة: إذا اختلف أولياء المقتول، فقال بعضهم: قُتل خطأ، وقال بعضهم: لا عِلْمَ لنا، كان لِمن ادَّعى قتل الخطأ أن يُقسِم، ويستحقّ نصيبَه من الدية، وإذا قال في العمد بعضهم: لا عِلْم لنا، لم يكن لمن ادعى القتلَ أن يحلف ويستحق الدَّم، وفي الموضعين، فالاختلافُ موجود.


(٥٦) كذا في نسختي ع وح. وفي نسخة ت: "لأنها ولابدّ أن تؤثر أثراً ما".
(٥٧) شلاء بفتح الشين وتشديد اللام على وزن فعلاء، مونث أشلّ. وهو من الفعل الثلاثي الازم، شَلّ يَشَلّ العضوُ من الجسم، من باب فرح يفرح، وتعب يتْعبُ، مبنيا للفاعل، ويقال: شُلّ، مبنيا للمجهول، إذا ييس العضو في الجسم، ولم يعُدْ يستطيع الحركة بكيفية عادية سليمة، ويقال: شلت يدُهُ لا علَى سبيل الإخبار بل على سَبيلِ الدعاء عليه حسب ما يقتضيه قصد المتكلم وسياق الحديث والكلام، ويقال في المثل العربي: "يدُك منكَ وإن كانت شَلاء"كما يقال: "أنفُك منك وان كان أجْدَع" أي مقطوعاً. وهو مَثل يُضرب لمن يصبر لإنسان ويحافظ على علاقته وموته معه، لكونه أخا له أو قريبا أو صديقا وفيا، بغَضِّ الطرف عما يقع منه من هفوات أو يكون فيه من عيوب أو يصدر عنه من اخطاء، وفي هذا المعنى يقول الشاعر العباسي بشار بن بُرْدٍ.
إذا كنت في كل الامور معاِتباً ... صديقكَ لم تلقَ الذي لا تعاتبه
فعشْ واحداً أوْ صِلْ أخاك فإنه ... مقارف ذنبٍ مَرَّة ومجانبُه
إذا أنت لم تشربْ مرارا على القَذَى ... ظمئت وأي الناس تصْفو مشاربُهُ
ومن ذا الذي تُرْضَى سجاياه كلها ... كفى المرءَ نُبلا أن تُعَدَّ معَاييُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>